عندما تتكرر المشاهد علينا في نفس الدقة ونفس الرتابة لابد لنا أن نشعر بالقلق وأن نعلم بأن هناك خلل ما وحينما لانرى أمر مريب فهذا مريب بحد ذاته..
فتحت (باب) غرفتي وجلست أمام جهازي وبدأت أتصفح وأبحث عن أشياء جديدة في عالم أصبح يضج بلا جديد..
شدني ما قرأته في أحد المواقع البسيطة..!!
عن فتاة سعودية صغيرة لم يتجاوز عمرها التاسعة عشر في مدينة (عنيزة) قامت بإنقاذ أسرتها جميعها من موت مؤكد بسبب اندلاع النار في منزلهم, قامت تلك الطفلة الخارقة بالصعود إلى أعلى ومحاولات لكسر الأبواب والدخول إلى داخل المنزل وإخراج الأطفال أو لا ثم إنقاذ عمها ثم زوجته ودامت محاولاتها بالإنقاذ حتى قدوم رجال الإطفاء الذين اكتفوا بإخماد الحريق فقط!!
كم هي شجاعة تلك الفتاة..!
كنت أفكر بعمق لو أن هذه الفتاة في مكان (آخر) أو أن هذه الفتاة في نفس المكان ولكن من النوع (الفاخر) ماذا كانت ستجني؟!!
سيغطيها الإعلام و تنهال عليها المقابلات وتكرم ويحتفى بها واحتمال احتمال أن ينصب لها تذكار في وسط الميدان!!
ولكن أقول هنا (إذا ربما)
لا أعرف لماذا تذكرت هنا برنامج صناعة الموت الذي يقدم في أحد المحطات
وعن الدول المنزوعة (السلاح والمقارنة ما بينها وبين الأطعمة المنزوعة (الدسم) كانت المقارنة بعقلانية لذا كانت النتيجة سهلة وواضحة فكان وجه الشبه بينهما هو الرشاقة..!!
تأثرت بحكاية هذه الصغيرة لدرجة أنني قمت باستعادة (كيشوت) في مخيلتي..!
دون كيشوت كان رجلاً نحيفاً طويلاً, ناهز الخمسين متوسط الحال يعيش في إحدى قرى أسبانيا في القرن السادس عشر كان كثير القراءة في كتب الفروسية حتى كاد أن يفقد عقله وينقطع عن كل ما يربطه بالحياة الواقعية
يكتب ويكتب ويستمر بالكتابة حتى تقمص الأدوار البطولية جميعها وكأنه يثبت نظرية (الهلوسة) فالشاعر لا يدمن الأماكن لكي يهلوس بالأبيات!
والأديب لا يكتب قصص الأغنياء لأنه يريد سرقة الترف منهم!
إنهم يمارسان التناقض من أجل أرضاء فكر (ال أنا)!! فالأول يروي معانات الرحيل والفراق وهو قابع في (قهوته) منذ سنين.....!
والثاني يذكر كل تفاصيل القصور وهو يكاد أن ينام على الرصيف....!
كان ذاك حال كيشوت!
فلقد بلغ به الهوس أن جعله يفكر بإعادة عصر الفرسان لينصر الضعفاء واليتامى والمساكين كان دون كيشوت يحارب العالم من حوله وكان أول أعدائه طواحين الهواء التي توهم أنها وحوش ذات اذرعه هائلة ولابد لكل فارس كبير تابعون مخلصون يعتمد عليهم، لذلك لجأ (دون كيشوت) لواحد من العامة، وهو رجل بسيط لا يقل عنه سذاجة وخيالاً، فأخذ يغريه لكي يعمل معه كتابع، فوعده بأنه سيعينه حاكماً على مقاطعة أو جزيرة من الأراضي التي سيفتحانها، فيخرج ذاك) التابع (من خلفه ممتطياً حصانه، معجباً بسيده، يحبه ويطيعه، وينتظر أن يفي بوعده فيعطيه حكم جزيرة أو مقاطعة، ويزوجه بإحدى نساء القرية الجميلات وكان يتخيل بطلنا بأن تلك النساء الفقيرات هنّ من الطبقة النبيلة!
ويظل يتخيل نفسه يمارس الحكم ويتخيل المحكومين!!
دون كيشوت أو (الفارس الأسود) كما لقب كان غير قادر على تغيير الواقع لا بالخيال وظل يتصور نفسه فارساً هماماً حتى انتهى به الأمر إلى أنه فقد قواه العقلية!
أمسك درعاً هشاً ولبس ملابس بالية وركب ظهر حصان ضعيف!!
وأصبح يحاول تقليد الفرسان القدامى الذين لم يصبح لهم وجود!
كان يعتقد بأن الملائكة ستنزل عليه من السماء كيّ تقاتل معه وليثبت للجميع بأنه ليس وحيداً.
الجدير بالذكر بأن مخترع هذه الشخصية هو (ميجيل دي سرفانتوس) وكان المؤلف جندي في الجيش الإسباني، سيء الحظ دائما رغم كفاحه واجتهاده كان مخلصاً ونزيهاً يعمل دائماً بدقة واجتهاد ورغم كل تلك المزايا إلا أنه لم يحظ بالتقدير والاهتمام..!
عاش حتى شهد تهالك العصر الإسباني تحت وطأة التضخم الاقتصادي وكانت أسرته تعد من طبقة النبلاء، غير أنها عانت أشد المعاناة من الفقر المدقع.
وقد عمل أبوه جراحا - وكان الجراح في ذلك الزمان ذا مركز اجتماعي لا بأس به؛ فهو يصنف في منزلة ما بين الطبيب والحلاق.
لم يتمكن المؤلف من الحصول على التعليم الأساسي حينما كان صغيرا بسبب الصعوبات المالية التي كانت أسرته تعاني منها،
غير أنه كان يقرأ كثيرا معتمدا في ذلك على نفسه، وكله أمل أن يكون يوما ما أحد الشعراء العظام الذين يشار إليهم بالبنان،
لكنه مات ولم تتحقق له تلك الأمنية بعد حياة حافلة بالمعاناة والظلم وعدم الإنصاف!!
أعود مرةً أخرى لبطلتي أنا تلك التي أنقذت أرواحاً كانت تتنفس دخان الموت وتلذع بلهيب الاحتراق
فتاة عنيزة (الخارقة) وهكذا أحب أن أسميها، إن من يدقق في جوانب الغضب يجد نوعاً من اللامنطقية البحتة يحتويها بعض الغموض!
خرجت من غرفتي بعد جلوس دام قرابة الساعتين وأغلقت الباب خلفي لعليّ أثبت بذلك نظرية (الباب إلي يجي منه الريح) رغم تأكدي بأني سأفتح باباً أخر!!!
سارة عبدالله الزنيدي / عنيزة