هكذا كانوا، وهكذا كان يعبِّر شعراء العرب عمَّا يختلج في ضمائر القوم، وما يمتزج بدماء عروقهم وبين جوانحهم وفي أحاسيسهم ومشاعرهم من عنفوان الكرامة والعزة والشمم، شعور متأصل يؤكد أنَّهم على ثقة من مكانتهم عند أنفسهم أولاً وعند غيرهم من شعوب تحيط بهم، تعرفهم جيداً ويعرفون نظرتها تجاههم. فالعربي أبيٌ كريم جواد، يغيث الملهوف ويحمي الذمار ويستر العار، ويدعو لكل المكارم والشيم الحميدة والخصال الراقية الإنسانية التي رضعها مع لبن أمه صغيراً وتمسك بها وعلمها لأنجاله كبيراً.. هكذا كانوا ولا زالت طوائف من أمة العرب والإسلام على هذا النحو.. وحينما قالوا عن أنفسهم تلك المقولات الواثقة التي تلمع عزة وفخراً، لم يكونوا يباهون بها كذباً وادعاءً؛ بل هو من صميم الشعور وصدق الولاء للقبيلة والأرض وأبناء الجنس ممن حولهم، وقد يكون في قول بعضهم شيء من المبالغة التي نحسبها نحن كذلك، لكنهم يرون ما قالوه هو أقل ما يجب قوله نظراً لظروف الحال، ومعطيات الحياة المحيطة بهم. وأقول: من لي بمثلهم، أين هم الآن؟!