Al Jazirah NewsPaper Thursday  24/01/2008 G Issue 12901
الخميس 16 محرم 1429   العدد  12901

الألفة والعشرة
د. عبدالرحمن بن سعود الهواوي

 

ورد في لسان العرب لابن منظور: الألفة: وائتلف الشيء: ألف بعضه بعضاً.

والإلف: الأليف. يقال: حنت الإلفُ إلى الإلْفِ.. والإلف: الذي تألفه. والعِشْرَةُ: المخالطة. وعَشِيرة الرجل: بنو أبيه الأدنون، وقيل: هم القبيلة، والجمع عشائر... والعشير: المعاشر، والعشير: القريب والصديق.

أول الأشخاص الذين يقابلهم الوليد بعد ولادته هي أمه، وهي أول من يتعرف عليها، فكيف لا وهي التي تضمه إلى صدرها وتغذيه من ثدييها، وتربت عليه بأناملها وتنظفه وتغسله بيديها وتضعه في حنان في مهاده، وتعرف متى يجوع ومتى يشبع، ومتى يفرح أو يتألم. ومع مرور الأيام يبدأ هذا الوليد بمعرفة وإلف من حوله، أب، وإخوة وأخوات، ومع من تكرر هيئته أمام ناظريه، وهكذا وهو في مرحلة الطفولة، ومع هذا فهو يكون أكثر التصاقاً بأمه. وعندما يكبر ويدخل إلى المدرسة فهو يقابل أشخاصاً في مثل سنه - وهكذا في الشارع -، وهنا فقد يبدأ بعقد إلفة وصداقة ومحبة لبعض من هم في عمره، وقد تستمر هذه العلاقة معهم مدى العمر، وكذلك قد تحدث مثل هذه الروابط بين بعض الزملاء في مرحلة الدراسة الإعدادية والثانوية، وحتى الجامعية، إضافة لذلك فقد يألف الشخص بعض من يعاشرهم في العمل.

قد يكون بعض الأشخاص مرهف الإحساس، ويحمل في طيات ذاته معنى للألفة والعشرة، وهذا قد يسبب له الألم والحزن عندما يرى الجفوة والابتعاد ممن ألفهم وعاشرهم وأحبهم.

إننا قد نرى المعنى الحقيقي للألفة والعشرة عند بعض آبائنا السابقين لنا؛ فهم كانوا يتزوجون، وهم لا يعرفون ما هو الحب، وحتى لم يسبق أن رأى الزوج حتى خيال زوجته - مع بعض الاستثناءات في بعض مناطق المملكة -، وبعد الزواج تصبح الحياة بين الزوجين إلفة وعشرة، ومع إنجاب الأطفال تزداد الألفة والعشرة وتتحول إلى حب وعشق، ودليلنا على ذلك ما نشاهده بين بعض الأزواج من كبار السن من تلاحم وترابط، حتى أن بعض كبار السن يمرض لمرض عجوزه ولا يستطيع القدرة على فراقها.. وهذا بعكس ما نراه اليوم في الجيل الحاضر من كثرة الطلاق وكثرة العوانس.. و.. و..

كان للعشرة والألفة والحب صدى في قلوب الشعراء والأدباء منذ قديم الزمان وقد صاغوا شعورهم هذا إما ببعض الأبيات الشعرية، أو ببعض الأقوال الحكمية.

قال أبو الطيب المتنبي:

أقِلَّ اشْتياقاً أيها القَلْبُ رُبَّما

رَأْيتُكَ تصْفي الوُدَّ من ليس جازيا

خُلِقْتُ أَلُوفاً لَوْ رحَلتُ إلى الصّبا

لفارَقْتُ شَيْبي مُوجَعَ القَلْبِ باكِيا

يقول لقلبه: لا تشتق إلى من لا يشتاق إليك - فمهلاً - فإنك تحب من لا يبادلك المحبة. وأنا - المتنبي - خلقت ألوفاً، حتى لو أن شيبي فارقني إلى الصبا لبكيت عليه لأنني ألفته.

وقال:

وَلكنَّ حُبّاً خامَرَ القَلْبَ في الصِّبا

يَزِيدُ عَلى مَرّ الزَّمانِ ويَشْتَدُّ

الرياض: 11642 ص. ب: 87416

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5834 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد