من الطرائف التي تروى في مثل هذه الأيام التي يشتد فيها البرد، ويستشهد بها على عدم الإدراك الصحيح لواقع الحال، وخفايا الأمور وخباياها، وتعميم فهم معين على الغير دون معرفة بكون هذا الفهم ينطبق على حال هذا أو ذاك أم لا. |
يروى أن مجموعة من الشباب الصغار يلعبون ويلهون معاً في يوم شديد البرودة، وكانوا يتحركون بكل حيوية ونشاط، لم يأبهوا لهذا البرد القارس، ولم يشعروا بسطوته، على الرغم من أن الفرائص ترتعد من قسوته وشدته، عدا واحداً منهم، ولا شك أن لدى الشباب طاقة وقدرة على مقاومة البرد والتصدي له لا سيما عندما تتوافر لهم المعينات من أكل ولبس، في حين أن الكبار يبحثون عن مقومات تساعدهم على التقليل من تأثيره على الحركة والصحة باللباس الوثير، والأكلات التي تغذي الجسم وتمده بالطاقة والدفء، قبل أن يمضي تأثيره في الجسم وما يتبعه من مضاعفات وأمراض. |
لاحظ أحد الشباب الممتلئ حيوية ونشاطاً، أن أحد أصحابه يرتعد من شدة البرد، مما أثر على حيوية حركته، ومشاركته مع زملائه في اللعب، مما اضطره إلى الانزواء والانعزال عنهم، باحثاً عن الدفء والتوقي من لسعات البرد القارسة، اتجه الشاب النشط الذي لم يشعر بشدة البرد إلى صاحبه، فوجده محمر اليدين ترتعد أسنانه وفرائصه من شدة البرد، وقال له ناصحاً وموجهاً: (ما دام أنك بردان هكذا، إذهب إلى أمك وكل حنيني واشرب لبن). |
قال له هذا التوجيه والنصح بناء على خبرة ودراية، فهو يشعر بالدفء لأنه قد شبع من أكل الحنيني ومن شرب اللبن قبل أن يخرج من البيت إلى اللعب مع أقرانه، وقد تبين له أن أكل الحنيني وشرب اللبن يساعدان على الدفء ويقيان من البرد، وهو يظن -واهماً- أن كل البيوت مثل بيتهم، فيها (حنيني ولبن) لهذا قال له: إذهب إلى أمك وكل حنيني واشرب لبن، لأنه يعلم من واقع حاله أنهما سوف يقيانه من البرد ويشعرانه بالدفء، ولا شك أنه محق في هذا ولكن هل يتوفر الحنيني واللبن في كل البيوت؟، قطعاً لا. |
وفي ضوء هذه القصة التي يستشهد بها على قلة ذات اليد، استعرض ما أشير إليه عن حالة وفاة الطالبة في الجوف، والطالب في حائل الذان توفيا وهما في اصطفاف التمارين الصباحية، وإن وفاتهما كانت بسبب البرد الشديد وممارسة التمارين الصباحية في هذا الجو القارس. |
أسأل الله تعالى أن يجبر مصيبة والديهما فيهما، وأن يعوضهما خيراً، وأن يجعلهما شافعين لوالديهم، ومع تسليمي المطلق بخطأ ممارسة التمارين الصباحية في الأجواء الباردة، وأن هذه مسؤولية مدير المدرسة الذي يجب أن يتسم بالحكمة والقدرة على تسيير الأمور وفق ما يحقق المصلحة ولا يخل بالنظام، إلا أنه يجب |
أن تشخص الحالة تشخيصاً دقيقاً، وذلك بالنظر في كل الاحتمالات المتوقعة قبل الحكم والتقرير بكون ممارسة التمارين الصباحية في البرد هي السبب، فمما ينبغي التنويه عنه أنه عندما يجتمع جوع، وعدم قدرة على توفير اللباس الشتوي، وبرد قارس، فإن البرد يمضي في الجسم ويؤثر على وظائفه، بل يعطلها ويفضي إلى مخاطر ومشاكل عديدة، ولهذا يجب أن ينظر إلى الحالة بصورة كاملة متكاملة، فالتمارين الصباحية سبب، وكان بإمكان مدير المدرسة إلغاؤها، لكن ماذا عن الأسباب الأخرى؟ الجوع وكسوة الشتاء، هذان متغيران يجب عدم التقليل من شأنهما، بل يجب أن يسعى إلى سن تنظيم وتشريع يتلمس الحالات المستحقة قبل بدء موسم الشتاء، تقدم بموجبه المساعدة لهذه الحالات بما يلزمها لمواجهة البرد بالكساء المناسب، والغذاء الكافي، والمستلزمات الأخرى، وأن تتظافر الجهود في مد يد العون لهؤلاء، سواء من المؤسسات الخيرية أو الأفراد، وإنني على يقين أن هذا العمل الخيري سوف يتفاعل معه كل محبي الخير والساعين فيه. يقول شوقي: |
وكل سعي سيجزي الله ساعيه |
هيهات يذهب سعي المحسنين هبا |
|