كانت لحظات مشحونة بالحزن والأسى، ومفعمة بالذكريات الكثيرة عن سنوات طويلة مضت وانقضت وأنا أستمع إليه قبل أيام قليلة ولآخر مرة بصوت متهدج، مستسلماً لقضاء الله وقدره، ومؤمناً بأن هذه آجال كتبت علينا.
***
بهذه الصورة بالغة الحزن استمعت لآخر مرة إلى صوت هذا الرجل العملاق، بينما كان يستجمع بالكاد قواه ليتحدث إليّ، وليقول شيئاً يحاول به أن يهزم مرضه، وأن ينتصر به على حالته الصحية التي قال إنها أتعبته، وأنه يعاني منها كثيراً.
***
هكذا كانت صورة صالح العجروش في أواخر أيامه، وهو الرجل القوي الذي زاملته في كامل حيويته ونشاطه سنوات طويلة من عمره وعمري في مؤسسة الجزيرة، هو المدير العام وأنا رئيس تحرير صحيفة الجزيرة.
***
كنت مع الفقيد في قارب واحد، نقود معاً التمرد على الإصدار الأسبوعي، كل من موقعه، فحولناه خلال فترة زمنية قصيرة إلى صحيفة يومية ناجحة في مغامرة جسورة ما كان لها أن تتم بعد سنوات من الانتظار والتردد والخوف لولا التناغم مع صالح العجروش في أسلوب العمل والرؤية المستقبلية لما توقعناه من نجاح للجزيرة اليومية.
***
حتى صحيفة (المسائية) التي صدرت يومياً بعد صحيفة الجزيرة كأول إصدار مسائي على مستوى المملكة والخليج وامتد عمرها إلى عشرين عاماً قبل أن يتم احتجابها، كان صالح العجروش على رأس العمل بالمؤسسة يشجع ويعين ويدعم، ما لا يمكن أن يفعله إلا من أحب الصحافة وعشقها من أؤلئك الرجال النادرين.
***
كانت مؤسسة الجزيرة في بدء إصدار الصحيفة يومياً تعاني من ضائقة مادية تعجز بسببها عن تسديد رواتب العاملين فيها، بما في ذلك أعضاء أسرة تحرير الصحيفة، وكان صالح العجروش يقرض شهرياً المؤسسة شيئاً من المال من حسابه الخاص حتى لا يتأخر صرف مستحقات العاملين، ضمن مواقف كثيرة لا يعرف عنها إلا القليل من الناس.
***
ولن أتحدث عن أخي وزميلي وصديقي صالح العجروش عن دور أو أدوار أخرى قام بها خارج مؤسسة الجزيرة، حيث عمل مديراً عاماً لمصلحة المياه ومديراً لشركة كهرباء الناصرية وممثلاً مالياً بوزارة المالية ونائباً لرئيس نادي الهلال وممثلاً للمملكة في كثير من المؤتمرات الخارجية، فقد يكون هناك من هو أجدر بالحديث عنها، لكني أقول عن عمله بالجزيرة، بأنه أحد القلائل الذين ينسب لهم الفضل بما وصلت إليه هذه المؤسسة من نجاحات.
***
إن وفاة الشيخ صالح العجروش ليست خسارة لأبنائه وبناته وإخوانه وأسرته فحسب، وإنما هي خسارة للوطن ولنا جميعاً، فقد عرف بإخلاصه ونزاهته وورعه وصدقه وتواضعه، بما لا يمكن للمرء وهو يستقبل هذا الخبر بكل الحزن والأسى إلا أن يدعو له بالمغفرة والعفو من رب عفو مقتدر، وأن يلهم أهله وجميع محبيه الصبر في تحمل الخسارة بوفاته رحمه الله.