أرى لزاماً عليّ ونحن نشهد عصر الإصلاح الشامل في جميع مؤسسات الدولة، أن أشيد بالجهود الإيجابية التي تبذلها وزارة التعليم العالي سعيا وراء التطوير الحقيقي لهذا القطاع التنموي المهم، ومع أن جميع الجامعات السعودية ماضية في مضمار الإصلاح المراد إلا أن النسب -ولأسباب عديدة - تختلف قوة وضعفا كما أنها تختلف من ناحية الشمول والعمومية، ومن الميادين التي تحتاج التفاتة أكثر من قبل الجميع خصوصاً من أصحاب المعالي مديري الجامعات والجمعيات العلمية التي تحتضنها عدد من جامعاتنا المعروفة والتي صدرت القواعد التنظيمية لها بقرار مجلس التعليم العالي رقم 10-15-1420هـ المتخذ في الجلسة (الخامسة عشر) المعقودة بتاريخ 1-2-1420هـ والمتوج بموافقة خادم الحرمين الشريفين رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس التعليم العالي بالتوجيه الكريم رقم 284-م وتاريخ 16-3- 1421هـ، إذ إن لدينا حوالي مائة جمعية علمية متخصصة الفاعل منها والذي له تواجد على الساحة العلمية والمجتمعية لا يعدو أن يكون عدد أصابع اليد الواحدة والبقية الباقية ربما لا يعرف عن وجودها إلا عدد قليل من أعضاء هيئة التدريس أهل الاختصاص والاهتمام في هذا الحقل المعرفي أو ذاك، وحق هذه الجمعيات جميعا الدعم المادي والمعنوي وكذا التفعيل والتنشيط من قبل أعضاء هيئة التدريس أصحاب الاختصاص، كما أن هناك عدداً من التخصصات لا أعرف أن لها جمعيات مستقلة رغم أهميتها في نظري، ومن بين هذه التخصصات (الثقافة الإسلامية) مع أن هناك قسم للثقافة الإسلامية في كلية التربية بجامعة الملك سعود، وقسم مماثل تابع لكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، إضافة إلى أن مادة الثقافة الإسلامية تدرس في جميع الجامعات السعودية، ومن المعلوم أن اهتمام الجامعة بتدريس ثقافة المجتمع لجميع طلابها مهما اختلفت تخصصاتهم هي من النقاط الإيجابية في التقويم العالمي المعروف، والمؤمل أن تحتضن هذه الجمعية المرتقبة (جمعية الثقافة الإسلامية) الأكاديميين المتخصصين في هذا الفن من فنون المعرفة وتوثق العلاقات بينهم وتيسر لهم تبادل الإنتاج العلمي بينهم، والقيام بدورهم في تنمية الفكر العلمي والمهني في مجال تخصصهم والعمل على تطويره وتنشيطه، وتقديم المشورة العلمية للهيئات والمؤسسات الداخلية والخارجية، وكذا التأصيل العلمي الرصين للقضايا الثقافية المطروحة اليوم وبإلحاح، والتي تختلف حولها الأفهام وتتباين المذاهب والمشارب والمرجعيات، إضافة إلى سبر الواقع المعاش برؤية ثاقبة وفهم واسع، وكذا بث الوعي الثقافي في المجتمعات المحلية إذ إن المثقف هو المسؤول قبل غيره عن الوصول بوعي الجماهير إلى المستوى الذي يؤهلها للقيام بدورها الحضاري في إطار من الترابط بين الثقافة والسياسة.. وممارسة النقد البناء وظيفة أساسية للمثقف الأكاديمي المتخصص، وعندما نستثني (المقدس) (النص القرآني، وما تواتر على شروط الصحة من الحديث النبوي الشريف) يجد المثقف الإسلامي أمامه مساحات واسعة للنقد الصحيح والهادف إلى تطوير المجتمع وإحياء القيم الإنسانية ولا سيما إذا كان المثقف يجيد آليات النقد ويتقن استخدامها، حينها سيكون سبباً لتشخيص مواطن القوة والضعف في المجتمع.
وينبغي للمثقف وهو يمارس النقد التوافر على خلفية قادرة على تحديد المساحات الخاضعة للنقد من حيث طبيعتها وخصائصها والظروف التي تمر بها ودرجة أولوياتها لكي تكون العملية إيجابية وباتجاه البناء والتقويم والتجديد والتطوير، كما أن على المثقف الإسلامي تنمية الحس النقدي لدى الجماهير لكي تتفاعل مع عملية التجديد والتطوير المراد.
ولكي يكون المثقف أكثر مصداقية ينبغي أن يكون أول منتظم في صفوف العاملين من أجل الإصلاح والبناء التنموي الرشيد، وأشد التزاما بالقيم، وأكثر تعهداً بالمبادئ، وأن لا يتجاوز في سلوكه على أحد، وتمثل هذه المهمة الحقل التطبيقي للمثقف، ودائرة مصداقيته وسط مجتمعه الذي يشرف بالانتماء إليه، وعليها يتوقف نجاحه في أداء مهمته الأساس.
والسؤال المهم هنا: ترى من من الجامعات السعودية سيعلق الجرس ويحتضن جمعية (الثقافة الإسلامية)، ومتى سيعلن ميلاد هذا الكيان العلمي المتخصص، وعلى يد من؟؟
أتمنى أن يكون ذلك قريب وأن تكون هذه الجمعية وما ماثلها من جمعيات علمية متخصصة ذات أثر إيجابي على الحركة العلمية والتنموية في وطننا المبارك والمعطاء ولبنات أساس في حركة التطوير والإصلاح والبناء المجتمعي المتكامل.
******
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 6371 ثم أرسلها إلى الكود 82244