في مقالة سابقة تحدثت عن قيام إحدى المدارس الأهلية في مدينة الرياض - في سابقة لم تحدث من قبل - بتنفيذ مسرح متكامل باللغة الإنجليزية، تضمن أكثر من خمس عشرة فقرة متنوعة ما بين الإلقاء الفردي والجماعي والمسرحيات والأناشيد والمشاهد المضحكة وغيرها.
وقد شارك في ذلك الحفل بعض منسوبي الإدارة العامة للتربية والتعليم، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة جداً من أولياء الأمور!
وذكرت أن الدافع الحقيقي لقيام هذه المدارس ومثيلاتها بتقديم الحفل باللغة الإنجليزية هو منطلق تجاري بحت وليس تربوياً ومهنياً. إن مثل ذلك الحفل يعد حملة تسويقية للمدارس - في رأي القائمين عليها - بهدف جذب كثير من أولياء أمور الطلاب لتسجيل أبنائهم في هذه المدارس؛ رغبة في إجادتهم اللغة الإنجليزية!! لكن أين غيرة رجالات إدارة التربية والتعليم على لغتهم العربية؟
وأريد في هذا المقال أن أتحدث عن أحد التجاوزات النظامية (لبعض) المدارس الأهلية، حيث تقوم هذه المدارس بالتعاقد مع خريجي الجامعات من المعلمين السعوديين - الذين لم يحصلوا على وظائف رسمية - وتقوم بتكليفهم بالتدريس في تخصصات غير تخصصاتهم في المرحلة الجامعية، وليست قريبة منها، حيث يقوم المتخصصون مثلاً باللغة العربية بتدريس المواد الاجتماعية، كما يقوم خريجو الاجتماعيات بتدريس المواد الشرعية، وهكذا. ويتم هذا - وللأسف - في المرحلة الثانوية التي يحتاج طلابها إلى معلمين ومعلمات أكفاء ومتميزين في تخصصاتهم لا إلى معلمين من تخصصات أخرى ربما يعجز بعضهم عن أداء تخصصه الأصلي، فضلا عن تدريسه مقررات أخرى. إنَّ هذا له آثار سلبية كبيرة على العملية التعليمية، بل إن كثيراً من التربويين يطالبون بأن يتولى مهنة التدريس والتعليم المؤهلون معرفياً ومهارياً، الذين لديهم الاستطاعة والكفاءة والقدرة على التدريس، لكن بعض المدارس الأهلية تفاجئنا بهذا الأمر؛ سعياً لحلب نقود الناس من خلال تقديم التعليم بأنصاف معلمين!
إنَّ القائمين على هذه المدارس - وهم من التربويين - لا يخفى عليهم الضرر المترتب على إسناد مهمة التدريس لمعلمين غير متخصصين، لكن البحث عن المادة أعمى ضمائرهم وأنساهم الأمانة الملقاة على عواتقهم تجاه الطلاب والطالبات، وبالتالي تجاه مستقبل المجتمع كله. أعتقد جازماً بأن هذا يعد جناية بحق الأجيال القادمة، ثم إنه يدل على أن مثل هذه المدارس تبحث فقط عن الدخل المادي، بعيداً عن التقيد بأنظمة وتعاليم الوزارة، وبعيداً عن تقديم المعلومات والمعارف عن طريق المتميزين من المعلمين.
ومع قناعتي بأن وزارة التربية والتعليم ومسؤوليها حريصون على أن تقوم المدارس الأهلية بدعم التعليم وأداء دورها بالشكل المطلوب، إلا أني أتساءل: أين الدور الرقابي لإدارات التعليم؟ وأين المشرفون المتابعون لهذه المدارس؟ وهنا أوجه نداء إلى معالي وزير التربية والتعليم الحريص على معالجة مثل هذه القضايا، وأقول: كفى تلاعب (بعض) المدارس الأهلية بتعليمنا؛ فإنها مسؤولية ستحاسبنا الأجيال القادمة عليها بقسوة، ثم إنه لا بد من مراقبة هذه المدارس التي تتلاعب بتعليمنا وتضرب بتعليمات الوزارة عرض الحائط. وأقترح أن يتم حصر التخصصات المطلوبة في المدارس الأهلية والتنسيق عن طريق مراكز الإشراف التربوي لترشيح المؤهلين لشغل هذه التخصصات؛ حتى نضمن عملية توزيع هؤلاء الخريجين في تخصصاتهم المطلوبة.
وأخيراً، فإن على ملاك هذه المدارس والقائمين عليها أن يدركوا خطورة العمل الذي يقومون به؛ لأنها تتجاوز المسائل المالية إلى مسألة مستقبل فلذات أكبادنا وأجيال بلدنا الغالي.
أستاذ المناهج المشارك بجامعة الإمام
alelayan@yahoo.com