Al Jazirah NewsPaper Monday  14/01/2008 G Issue 12891
محليــات
الأثنين 06 محرم 1429   العدد  12891
دفق قلم
ابدأ بنفسك
عبدالرحمن بن صالح العشماوي

لو بدأ كل إنسان بترتيب أوراقه الخاصة، وإصلاح ذاته، وتنظيف الشوائب التي تحول بينه وبين القدرة على العطاء المتميز، وإزالة العوائق الفكرية والنفسية التي تقف في طريق عمله الناجح، لعاشت المجتمعات البشرية حياة أكثر استقراراً وتطوراً ونماءً، ولما وجدت هذه الفجوة الكبيرة بين الأقوياء والضعفاء، والأغنياء والفقراء، ولما رأينا هذا التسلُّط من الدول الكبرى على دول صغيرة لا تستطيع أن تدافع عن نفسها، ولما رأينا هذا الاستبداد الاقتصادي العالمي الذي يزيد غنى الغني، وفقر الفقير بدون هوادة ولا رحمة.

ابدأ بنفسك. شعار يستحق أن نرفعه لإصلاح نفوسنا، وتقوية جانب الخير والعطاء فيها، ويستحق أن نجعله يتردد على كل لسان؛ لأنه سيحقق المعنى الأكمل للإصلاح العام؛ فلن تصلح البيوت، والمجتمعات، والدول إلا إذا صلحت نفوس مَنْ يديرونها ويعيشون بها وفيها.

وليس معنى هذا الشعار (ابدأ بنفسك) التفريط في جوانب الإصلاح العامة، والتقوقع على الذات، والانشغال بالأمور الشخصية عن الأمور العامة؛ فإن الإنسان الذي يبدأ بإصلاح وتقويم نفسه يضع قاعدة قوية لانطلاقه في التفاعل مع المجتمع والحياة؛ فيكون عنصراً فاعلاً، وعضواً صالحاً في مجتمعه ووطنه وأمته.

إنَّ الإنسان الذي يهمل نفسه، وينظر إليها بعين الرِّضا التي لا تريه إلا محاسنها سيكون عبئاً على نفسه وعلى المجتمع، وسيكون مشغولاً بأخطاء الآخرين وعيوبهم عن أخطاء وعيوب نفسه، وإذا هان عليه الخطأ في داخل إحساسه، فأصيب بموت الشعور بما يقع فيه من أخطاء، وبحياة الغرور بما فيه من إيجابيات، فإن دوره في مجتمعه وأمته سيكون دور المتصيد لأخطاء الآخرين وعثراتهم وثغرات أعمالهم، منصرفاً بذلك عن نفسه التي هي أحوج من غيرها للتوجيه والإصلاح، وإنما تُؤْتى المجتمعات البشرية من هذه الثغرة الخطرة.

قال أنس بن مالك - رضي الله عنه - يخاطب الناس في زمن التابعين: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات - أي المهلكات.

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الكيس - أي العاقل- مَن دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز مَنْ أَتْبَع نفسه هواها وتمنى على الله). ومعنى (دان نفسه) حاسبها، وهو معنى (ابدأ بنفسك) الذي نقترح أن نرفعه شعاراً لنا في هذه المرحلة.

إنَّ الإنسان العاقل النافع لأمته هو الذي يبدأ بنفسه تعليماً وتثقيفاً، وتدريباً، وقياماً بالمسؤولية، وأداءً للحقوق، ومساهمة في البناء، وتعاوناً مثمراً مع الجادين من أبناء مجتمعه وأمته، وهذا الإنسان هو الذي نحتاج إليه حاجة ماسة في هذه الفترة التي اختلطت فيها الأوراق.

إشارة:

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: مِن حُسْن إسلام المرء تَرْكُه ما لا يعنيه

www.Awfaz.com


لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5886 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد