من حق كابتن الوطن والهلال سامي الجابر علينا كحملة أقلام وهو على وشك توديع محبوبته ومعشوقته كرة القدم أن ننصفه ونعطيه حقه المهضوم ونسلط الضوء على تاريخه المشهور.. فسامي ليس فقط أسطورة عظيمة في تاريخ الكرة السعودية بل تعداها ليكون ظاهرة عجيبة سمتها الصمود والتحدي والوقوف في وجه كل تيار وتجاوز كل ظرف مهما كانت قوته وصعوبته. ولعل من سوء حظ نجمنا الكبير أن بداية بزوغه وظهوره على الساحة الرياضية قد تزامنت مع اقتراب أفول نجم الكرة السعودية ومهاجمها الفذ ماجد عبدالله.. حيث كان من الصعب أن يتقبل معسكر الضد الأزرق بديلاً لماجد عبدالله فما بالكم إذا كان هذا البديل من ناد شهير ومنافس وهزيمته مطلب لكل أندية الوطن.. فكانت بداية لفت الأنظار وخطف الأبصار عام 1410هـ عندما سحب سامي ومن خلال مباراة واحدة لقب هداف الدوري منه وذلك بتسجيله لستة أهداف وضعته في القمة وأعادت ماجد لمركز الوصافة.. بعده وجد أبو عبدالله الهلالي نفسه وسط مشوار جديد من التحدي وإثبات الذات.. ووسط طريق صعب المنافذ ووعر المسالك.. بدأ بالتشكيك بقدرته وإمكانياته على مواصلة المشوار ونهج الدرب بنفس القوة والقدرة والثبات على المستوى الذي بدأ به.. ولكنه شق طريقه وبخطوات واثبة نحو عالم النجومية واستبشر الهلاليون بمقدم نجم جديد ورأس حربة هداف لينسيهم حرمان السنين بعد اعتزال محسن بخيت المبكر.
ومع كل مشوار تألق وعند محطة كل إبداع كان سامي يواجه سياط الهجوم الإعلامي الحاقد الذي شكك في كل شيء يتعلق به؛ فهو -كما قالوا- نجم من ورق صنعته الصحافة وصاحب نفس قصير ومشوار مؤقت وسينتهي كما انتهى غيره من اللاعبين عاجلا أم آجلا.
ما حصل أنه خالف التوقعات وغالط التكهنات وانطلق بسرعة صاروخ سام6 لعالم النجومية والشهرة ولم يتردد مدربو المنتخب في ضمه للدفاع عن ألوان الأخضر ليواجه ما لم يكن في الحسبان ولا على البال أو الخاطر، فقد أوقف بعد أول مشاركة أولمبية لمدة ستة أشهر.. وتجاوز تلك المحنة واستطاع أن ينضم للمنتخب الأول ليواجه الموقف الأصعب والطامة الأكبر فقد كان في عز توهجه وقمة عطائه ومع ذلك أبعد عن المنتخب وهو على بعد خطوات من الحافلة التي كانت ستقله مع باقي أفراد البعثة إلى المطار من أجل السفر إلى هيروشيما للمشاركة في بطولة آسيا لكرة القدم.
كل هذا لم يثنِ عزيمته أو يحبط همته أو يحطم قلبه الطيب.. بل صمد وصبر إلى أن تحققت له المشاركة في أربع نهائيات لكأس العالم وقاد المنتخب في اثنتين منها.
وسجل في ثلاث منها وهو إنجاز غير مسبوق على المستوى العربي والآسيوي وحتى وهو على مشارف اعتزال حياة كروية حافلة بالعطاء والإنجازات واجه تحدياً جديداً وآخر فقد أبعد من المنتخب بعد نكسة كأس العالم 2002م الشهيرة وهزيمة الألمان الكبيرة.. ولكنه كسب تحدي النهاية كما كسب تحدي البداية وعاد للمنتخب قائداً من جديد وليسهم بقوة في تأهله لنهائيات كاس العالم 2006م بألمانيا.. ويودع بعدها الملاعب الدولية مرفوع الرأس بعد أن ترك له بصمة لا تزول وتاريخاً لا ينسى.