كثر الحديث هذه الأيام عن رفع قيمة الريال وأن ذلك سوف يؤدي إلى خفض قيمة الاحتياطيات الأجنبية السعودية وكذلك رفع تكاليف المشاريع العامة وتخفيض الفائض في الميزانية العامة وكأن أصحاب هذا الطرح يتجاهلون الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والعلاقة الوثيقة بين الدولة والمواطن التي وثقها الملك عبد العزيز رحمة الله عليه في نظام الحكم السعودي بأن الدولة وجدت لخدمه المواطن وان ثقة المواطن فيها علاقة لا يمكن فكها. فقد أصبح تفعيل السياسة النقدية والمالية أمرا ضروريا بعد أن تفاقم معدل التضخم الذي انقص من فائض المستهلك حتى على مستوى السلع الأساسية التي تضخمت أسعارها سواء كان تضخما مستوردا أو محليا.
إن رفع قيمة الريال إلى 3.50 ريال مقابل الدولار بما يعادل 6 بالمائة لن يضر بميزانية الدولة حيث إن الفرق في انخفاض العائد من النفط قد تم تغطيته بزيادة في أسعار النفط من 60 إلى 97.18 دولاراً للبرميل بما يعادل أكثر من 60% ما يعني أن الدولة لن تخسر شيئاً مقارنة بأسعار النفط السابقة. كما أن ارتفاع قيمة الريال لن يرفع تكلفة الدولة في الأجل الطويل لأن الأهم ليس كمية النقد وإنما قوة النقد الشرائية في جميع المشاريع الجديدة التي سوف يعتمد تقييمها على قوة الريال وليس عدد الريالات الضعيفة. أما الاحتياط الأجنبي فإنه مقيم في الدولار الذي استمر في تدهور قيمته وتحويله إلى ريالات يعني أن الدولة قد تخسر بعض الكمية ولكن مقابل ارتفاع قيمة الريال ففي نهاية المشوار يصبح هناك توازن بين القيمة والكمية. كما أن الدولة تستطيع أن تثبت ميزانيتها العامة المتوقع لها أن تعلن قريبا دون أي زيادة في الإنفاق من اجل كبح جماح التضخم وخفض مستوى أسعار السلع والخدمات المحلية والمستوردة. هنا يحدث توازن في الطرف الأيمن من المعادلة عندما يتساوى الفرق في ارتفاع أسعار النفط وتثبيت الإنفاق الحكومي مع الطرف الأيسر لها برفع قيمة الريال وتخفيض نسبة التضخم ما يخلق توازنا بين نمو إجمالي الناتج المحلي والطلب الكلي عليه عند سعر تضخمي مقبول لا يهدد مستقبل الإنتاج. وإذا ما تم تفعيل السياسة النقدية برفع سعر الفائدة بنسبة فاعلة تخفض من مستوى السيولة المتنامية بشكل سريع في فترة يتعاظم فيها معدل التضخم المتوقع له أن يتجاوز 5 بالمائة.
إن إعادة الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية إلى المواطن لا تقاس بأي قيمة ولها أبعاد اجتماعية قد تكون تكلفتها تتجاوز ما قد يكلف الدولة نتيجة رفع قيمة الريال. فنحن نرى الدول تعمل شيئا لمواجهة مثل هذه الأوضاع، فدعونا نرفع قيمة الريال ضمن استراتيجيات اقتصادية متوقع لها في دحر التضخم وإعادة رفاهية المواطن إلى ما هي عليه قبل بداية ارتفاع الأسعار التضخمية الحالية.
د. فهد محمد بن جمعة
كاتب اقتصادي
fahedalajmi@saudi.net.sa