Al Jazirah NewsPaper Friday  16/11/2007 G Issue 12832
الريـاضيـة
الجمعة 06 ذو القعدة 1428   العدد  12832

الإعلام يضاهر الخطأ على الصواب
ما بين كأس الدوري.. وكأس دبي العالمية
د.غازي طليمات

 

سنة 1939م أصدر الأستاذ صلاح الدين الزعبلاوي كتاباً عنوانه: (أخطاؤنا في الصحف والدواوين) تتبع فيه الأخطاء التي كانت تشوه ما تصدره الصحف والمجلات من مقالات، واقترح الألفاظ والعبارات الفصيحة التي تحل محل الملحون الشائع.

ولم يكن الدافع إلى تأليفه الكتاب التحقير والتشهير، بل الحرص على العربية من اللحن والانحراف. واليوم وبعد تطور الإعلام واتساع ميادينه وتعدد وسائله من صحف وإذاعات وقنوات فضائية نجد أنفسنا أمام سيول من الأخطاء لا يستطيع ألف كتاب من أمثال كتاب الزعبلاوي درء أمواجها الموحلة على شواطئ الفصحى لسبب معروف وهو أن لغة الإعلام أسرع انتشاراً وأوسع إطاراً من لغة العلم وأن قناة أو صحيفة تستطيع أن تجرف بتيارها المتدفق ألف منبر من المنابر الجامعية المدافعة عن فصاحة العربية ومن كتب اللغة التي تطبع ولا تُقرأ.

وإذا افترضنا أن صحة الكلام تعدل صحة الأجسام وأن الخطأ يعدل المرض تبين لنا أن انتشار المرض أسرع وأوسع وأقوى وأعتى مما يتصور الناس.

الرياضيون لا يستطيعون أن ينقلوا عضلاتهم المفتولة من جسومهم إلى جسوم المهازيل، أما المرضى فإنهم بغير جهد ينقلون المرض إلى الأصحاء. إن عطسة واحدة كافية لنقل الزكام إلى مئات الأصحاء.. ومتى عطست وسائل الإعلام فشت فاشية المرض في العالم العربي كله وانقلبت الفاشية إلى جائحة أوسع انتشاراً وأخطر تدميراً من طوفان تسونامي، ورحم الله أبا العلاء المعري الذي اعتصم من الداء بالإباء فقال:

تثاءب عمرو إذ تثاءب خالد

بعدوى فما أعدتني الثوباء

وفي هذه الخاطرة نشير إلى خطأ واحد ذاع وشاع وملأ الأسماع والأصقاع وهو تذكير (الكأس) والكأس مؤنثة منذ أفرغ فيها الشراب قبل ألوف السنين فما الذي ذكرها؟

أأجريت لها جراحة كالعمليات التي تحول الخنثى إلى ذكر أو أنثى؟ لو كانت اللفظة مما يجوز فيه التذكير والتأنيث كالسوق والدرع لهان الخطب، لكنها مؤنثة بالنص الصريح والاستعمال الفصيح، فصحاح الجوهري يقول: (الكأس مؤنثة) والقاموس المحيط يقول هي مؤنثة مهموزة.. ومجمع اللغة العربية في قاموسه الوسيط يقول: الكأس القدح هذا هو النص الصريح أما الاستعمال الصحيح فأكثر ما أن يحيط به إحصاء أو استقصاء.

قال الأعشى:

وكأس كماء النَّي باكرت حدها

بغرتها إذا غاب عنها بُغاتها

وقال طرفة بن العبد:

وتساقي القوم كأساً مَرَّة

وعلا الخيل دماء كالشَّقر

ومما يدلك على رسوخ التأنيث في الكأس أن بين نساء العرب من سميت بهذه اللفظة قال أحد الشعراء القدماء يتغزل بصاحبته (كأس)

عساها نار كأس وعليها

تشكى فآتي نحوها فأعودها

وأوضح من كل ما ذكرنا وأفصح أن الكأس وردت في القرآن الكريم ست مرات وهي فيهن جميعاً مؤنثة تأنيثاً لا يخالطه أدنى ريب من ذلك قوله تعالى في سورة الصافات (45) {يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ، بَيْضَاء} وقوله في سورة الطور (23) {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} وقوله في سورة الإنسان (5) {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} وبرغم المعجمات الصحيحة والأبيات الفصيحة والأبيات المنزلة تجد بين الذين يدعون انتمائهم إلى الإعلام قبل أن ينتموا إلى اللغة نفراً يقولون ويصرون على ما يقولون (الكأس الذهبي والكأس الدوري وكأس دبي العالمي، فإذ خطر لك أن تردهم إلى جادة الصواب جادلوك بالباطل وقالوا مفاخرين لا معتذرين: (الخطأ المستعمل أفضل من الصواب المهمل) فنقول: إذ جاز لكم أن تهملوا الأعشى وطرفة فهل تهملون كتاب الله وهو يتلى صباح مساء؟

إن الحق قديم والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل والحق الذي نرجو الرجوع إليه هو أن نقول: الكأس الذهبية وكأس دبي العالمية.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد