د. حسن الشقطي
أغلق سوق الأسهم هذا الأسبوع عند مستوى 9265 نقطة مستكملاً مساره الصاعد الذي فاق كافة التوقعات، حيث لامس المؤشر هذا الأسبوع 9323 كأعلى قمة له، لتصل مكاسبه على مدى الشهر الأخير إلى حوالي 1150 نقطة، وهو معدل ربحية غاب عن السوق لفترة طويلة. كما استمر سهم سابك في تحليقه حتى لامس مستوى الـ 170 ريالاً يوم الأربعاء ، وهو مستوى يفوق المستوى المتوقع له أيضاً، حيث توقّع أفضل المتفائلين وصوله إلى 155 ريالاً فقط والتي حددتها الكثير من التقارير المتخصصة كسعر عادل له. أيضا سهم الراجحي الذي لامس الـ 105 ريالات بشكل غير متوقع ... كما استمرت كيان في نشاطها التداولي الحميم .. وتميّز صعود هذا الأسبوع عن الأسابيع السابقة بظهور بوادر لنشاط في قطاعي الخدمات والزراعة اللتين غابتا عن السوق نسبياً ... وكل ذلك في ظل غياب جني واضح أو كبير للأرباح، بل ترسخت ثقة المتداولين في المؤشر نتيجة لعدم وجود أية دلالات سلبية واضحة في مؤشراته الفنية.
المؤشر يربح 1150 نقطة في 24 يوماً
أحرز مؤشر السوق استقراراً جيداً هذا الأسبوع، وحتى يوم الأحد والأربعاء اللذين شهدا هبوطاً طفيفاً، فهو لم يكن هبوطاً بالمعني المعروف، لأنّ نسبة الخسارة لم تتجاوز أربع نقاط يوم الأحد و6 نقاط يوم الأربعاء. وعلى مدى هذا الأسبوع بلغت ربحية المؤشر حوالي 206.2 نقطة أو ما يعادل 2.28%، وهو معدل يعتبر جيداً، وبخاصة بمعرفة أنه يأتي بعد فترة ليست قصيرة من الصعود المتوالي. وبهذه الربحية تصل أرباح المؤشر خلال الفترة منذ بداية التداول بعد العيد مباشرة وحتى الآن إلى 1150 نقطة أو ما يعادل 14.2%.
تحليق السيولة ... ولكن عند
مستويات لا توازي الفترة الماضية
رغم أنّ السيولة تزايدت من مستوى الـ 5 مليارات ريال خلال فترة ما قبل الشهر الماضي إلى مستوى الـ 9.5 مليارات ريال تقريباً خلال هذا الأسبوع كمتوسط يومي، ورغم الحكم على إيجابية وصولها إلى هذا المستوى .. إلاّ أنّ الأمر المستغرب هو أنّ الجميع يعلمون أيضاً أنّ مستوى الـ 9 أو حتى الـ 10 مليارات ريال لا يزال بعيداً جداً عن المستويات القديمة التي كانت تقيم الحد الأدنى لسيولة الاستقرار بحوالي 18 مليار ريال .. كما أنّ الجميع يعلم أنّ الأسهم الاستثمارية تحركها محافظ كبيرة أو على الأقل حركتها في البداية، فلماذا حتى الآن لم تصل بالسيولة إلى المستويات القديمة ... رغم أنّ المستويات القديمة كانت تحدث مع وجود 80 شركة بالسوق تقريباً، أمّا الآن فتوجد لدينا أكثر من 107 شركات، أي أن السوق أضيف إليه أكثر من 200 مليار ريال، وجميعها تحوز مستوى عال من التداولات ... إنّ الأمر لمحير باعتبار أنّ الزخم الحالي يدور في فلك مستويات سيولة لا تزال محدودة ولا تعبِّر عن واقع السوق المحلي في مساراته الصاعدة ؟
اشتعال المضاربات في الخدمات والتأمين
من الأشياء التي لوحظت هذا الأسبوع هي نسب الربحية التي حققتها بعض أسهم قطاع الخدمات .. فإلى حد ما بعد اختفائه على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، بدأ في العودة للنشاط الكثيف من جديد، لدرجة الظهور اللافت لسهم الباحة الذي أحرز أرباحاً بنسبة 7.1%. كذلك الحال فقد ظهر نشاط تداولي على الثلاثي (ثمار وشمس ومبرد) الذين على ما يبدو أوشكوا على التحرك كما في السابق. أما بالنسبة لقطاع التأمين، فقد شكل القطاع الوحيد الذي أحرزت كافة أسهم قطاعه (للـ 15 شركة) أرباحاً بنسب متفاوتة تراوحت بين 2 إلى 17%، وبلغت أرباحه في المتوسط حوالي 7%. وقد جاء سهم الأهلية كأعلى ربحية بنسبة 17%، في حين جاء سهم ملاذ كأدنى سهم بنسبة 1.6%.
أسباب فشل التكهنات
بأبعاد الهيكل الجديد
من الغريب أنّه لم يوجد أي محلل أو مراقب توقع أن يتغير حال السوق خلال فترة تقل عن الشهرين بهذا الشكل الكبير، فمن خسائر وركود للمؤشر وجمود صخري للأسهم الاستثمارية القيادية ... إلى أرباح وانتعاش وتحركات إيجابية للقياديات إلى قمم فاقت حدود أسعارها العادلة المتوقعة. إنّ أرباح المؤشر ونقاط المقاومة التي اخترقتها لم يتوقعها أحد .. الجميع توقعوا أن يتوقف قبل 9000 تقريباً، والمتفائل منهم توقع توقفه لجني الأرباح ... إلاّ إنّ شيئاً من هذا لم يحدث .. بل صعود واستقرار ... إنّ السوق تحكمه القرارات التي تصدرها هيئة السوق، ورغم أنها لا تتدخل مباشرة في السوق، إلاّ أنّ قراراتها تلك تمثل الفيصل الرئيسي في صعوده أو هبوطه.
فما السر في أن يغيّر هيكل الجديد كافة معالم السوق بهذا الشكل ؟ إنّ كافة التحليلات التي تناولت التنبؤ بشكل السوق حتى الآن تبدو ضعيفة أو هزيلة في التوصل إلى شكل وحجم التغيرات التي يمكن أن تصيب الأسهم وأسعارها من جراء هذا الهيكل خلال شهر ديسمبر المقبل تحديداً ... والدليل على ذلك وصول أسعار الأسهم الاستثمارية إلى مستويات فاقت تنبؤات كافة المحللين.
لا أحد يستطيع أن يتنبّأ
بتوجُّهات كبار المستثمرين !
قالوا البتروكيماويات أصبحت استثمارية، وإنّ مستقبل كيان أصبح خيالياً، ثم قالوا إن سابك أمست غير عادية، وأن الراجحي بات استثنائياً، وغيرها الكثير والكثير، جميعها تحليلات تبحث وراء المبررات .. فهل سابك أو الراجحي أو كيان أو غيرها من الأسهم الاستثمارية طرأت عليها تغيرات مصيرية لكي تقلب حالها بهذا الشكل ؟.. إن السوق لا يمتلك أياً من هذه التغيرات المصيرية، بل يمكن القول إن حاله كما هو لم يتغير خلال الثلاثة شهور الأخيرة ... إن كافة الأمور واضحة وجلية باستثناء كيف وماذا يحرك كبار المستثمرين في السوق ؟... إن أفكار وتوجهات هؤلاء لا تصل إلى المتداولين، ولا تصل إلى فكر المتابعين للسوق إلا بعد انتهاء أوان وجبة الأرباح الثرية في السوق. إنهم يأتون أولاً دائماً .. يستبقون غيرهم من المتداولين العاديين ربما بفترات زمنية تعادل أسابيع وليس أياماً فقط، وخلال هذه الأسابيع في العادة لا يتبقى سوى الفتات من الربح ... أكثر من هذا فإنهم يتنقلون بسرعة فائقة بين الأسهم. إنّ من المتداول الحكيم هو من يتصرف بحذر ولا يدع نفسه محلاً للتأثير بكل ما يقال أو يشاع، بل يجب أن يأخذ في اعتباره أن انعكاس السوق يبدو أسهل ما يمكن ولن يستطيع أحد أيضا حينها أن يفسر هبوطه أو يعطي مبررات منطقية لها ... إن الحكمة تقول: تحرك وضارب واجن أرباحك .. ولكن لا تغير من سلوك الحذر حتى يسكن السوق تماماً ..
عشوائية تداولات صغار المستثمرين
من الأمور التي أصبحت تشكِّل خطورة على شرائح صغار المتداولين التي تمثل النسبة الغالبة في السوق، هي أنّ هذه الشريحة لا تجد حتى الآن من يساعدها أو يأخذ بيدها في بناء تصورات صحيحة عن مستقبل السوق عند كل تغير جديد يطرأ عليه .. فعلى سبيل المثال ها هو هيكل السوق الجديد، تم الإعلان عنه منذ فترة أسبوعين تقريباً، وطرأت بعده تغيرات كبيرة وهائلة، هذه التغيرات لم يتوقعها المحللون الذين يعتمد عليهم صغار المتداولين في بناء تصوراتهم واتخاذ قراراتهم الاستثمارية .. وقد قلنا من قبل إن السوق يفتقد حقيقة إلى الجهة أو الطرف ذي الثقة الذي يهتم بمصلحة هؤلاء، وبخاصة فيما يخص توصيات الاستثمار .. فحتى الآن لم يصدر تقرير ثري أو ذو قيمة هامة وبه تفصيلات عن استكشاف السوق والقطاعات خلال فترة ما بعد إقرار الهيكل الجديد. وبالتالي فإنّ تصرفات صغار المتداولين تمت على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية بشكل عشوائي حسب معلومة من هنا أو هناك بلا دليل علمي أو تقرير مدروس .. إن الفجوة ما بين صغار المتداولين وأصحاب المحافظ الكبيرة في هذه الجزئية تزداد وتتضخم لدرجة يقع فيها ظلم على الشريحة الأولى. وهذا الظلم يرجع في جزء كبير منه إلى عدم الوعي الكامل لدى شريحة صغار المتداولين في المطالبة أو السعي المنظم لتكوين أو تأسيس جهة ترعى مصالحهم.
المحطة المقبلة
من أصعب الأمور السعي للتنبؤ بمسار المؤشر بعد أسبوع .. فمساره اليومي ليوم معين قد يكون سهلاً ومرتبطاً بمسار اليوم السابق له مباشرة، أما التنبؤ بالمؤشر لأكثر من خمس جلسات تداول، فإنه يدخل في باب التكهنات .. أولاً لأن السوق في مرحلة انتقالية كل يوم لديه قرار جديد، وهي قرارات ستغير من هيكله .. ثانياً لأن محافظ الصناع التي تؤثر في السوق غير معروف كيف ستتجه، فتوجهاتها تكون دائما غير متوقعة ... ثالثاً لأن حجم المعلومات المتاحة عن كيفية توزيع قيمة التداول المعلنة سواء حسب حجم المحافظ أو جنسيتها أو هل هي مؤسسات أم أفراد لا تزال غائبة عن السوق، وبالتالي كافة التحليلات تدخل في باب التكهنات غير الدقيقة ... إلاّ أنه مع كل ذلك، فإنّ مؤشرات عديدة تدل على أن المؤشر لديه القدرة الآن على اختراق مستويات جديدة في صعوده، وأن فرصته في اختراق هذه المستويات تقوى خلال فترة ما قبل إقرار وتفعيل الهيكل الجديد، لأن ما سيكسبه المؤشر خلال هذه الفترة ربما يستمر كحق له.
محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com