إنه لمن المؤسف جداً أن يكون هناك رجال يدّعون أنهم مثقفون ونجدهم يعبرون عن آراء عنصرية وآراء لافتة للنظر وأقل ما يمكن وصفها بأنها آراء متطرفة لا يمكن تصنيفها تحت أي عنوان سوى الأنانية المقيتة التي ترتد على صاحبها بالضرر قبل الآخرين - يتحدثون عن المرأة التي هي أم أو أخت أو زوجة أو ابنة لهم وكأنها ليست إنسانة كرمها الله والإسلام، وإنما هي متعة فقط للاستهلاك والاستهلاك غير المنصف والبعيد عن المنطق والوسطية.
وإني لا أعرف لماذا يرى الأخ خالد الدوس أن مدرجات خاصة للنساء في الملاعب ستكون مصدر فساد وإفساد إذا كان الرجال في بعض المدرجات سيكون هناك شغب وهنا أسأل ألا يوجد شغب في المدرجات الدولية والعالمية؟ لنذكر على سبيل المثال المدرجات الإنجليزية بل حتى المدرجات الأخرى، حيث نجد أن حوادث شغب كثيرة قد وقعت وتقع وقد أوقعت إصابات في الماضي وتوقع في الحاضر وبعض الأحيان يكون هناك إصابات خطرة تؤدي بصاحبها إلى الوفاة.
وإذا كان هذا السلوك في نظره يعد سلوكاً شائناً فمن هو الذي يتصرف هذا التصرف؟ إنهم الرجال وهم الذين يتحملون الوزر وهم الملومون، وبالنسبة إلي فإني لا أشاطرك الرأي في هذا الأمر ونحن نرى أن مدرجات العالم كلها تكون متأهبة إما للفرحة بالانتصار وإما بالحزن على الهزيمة.
أحب أن أنوه بأن للرياضة جمالها وهيبتها واحترامها المتبادل بين الأفراد والشعوب ذكوراً وإناثاً، وقد رأينا كيف أن رئيس وزراء أستراليا قد أعيد انتخابه؛ لأنه يملك أكبر نادٍ في بلاده وإني أدعو إلى المحافظة على ما تقدمه الرياضة للمجتمع من تآلف ومحبة؛ فلا تُشوَّه تلك القيم بتُرَّهات مآلها الزوال كفقاعات الماء لأنها مجانبة للحقيقة والمنطق.
وعندما نذهب إلى بلد عربي مثل مصر نجد أن السؤال الذي يطرح على الزائر ذكراً كان أم أنثى - هل أنت أهلاوي أم زملكاوي وإني أتساءل لماذا هذه النظرة الدونية للمرأة فعلى أي مستند استند إليه الكاتب برأيه بأن سلوكيات المجتمع سيئة؟! لا وألف لا، فإن مجتمعنا بخير وبركة فيه كثير من السلوكيات التي نعتز ونفخر بها وخاصة سلوكيته في المجال الرياضي.
إذا ألقينا نظرة فاحصة لقول الكاتب: (إن سلوكيات المجتمع سيئة) نجد أن الكاتب يناقض نفسه؛ فهو يعيش في مجتمع ديني، مجتمع تحكمه آداب الإسلام التي تهذب السلوك وإن هذه الآداب تشمل الرجل والمرأة وتتكفل ببناء مجتمع خير معطاء بينه وبين سوء السلوك عداوة دائمة وإن وجد من هو لا يتخلق بأخلاق الإسلام سواء كان ذلك ذكراً أم أنثى فإن ذلك الأمر شاذٌ وكلنا يعلم أن الشاذ لا يشكل قاعدة، كما أن المتعارف عليه بأن النساء شقائق الرجال وقد قال سيد الخلق: (عفّوا تعف نساؤكم) وهل من العدل والإنصاف أن يوجه الاتهام للمرأة دائماً؟ لا أظن ذلك.
تاريخنا يخبرنا أن المرأة في عصر النبي الكريم كانت تحضر الغزوات مع الرسول وقد هاجرت مع الرجال وهذه أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر قد كانت تتسابق مع الرسول الكريم، وفي معركة الجمل ركبت الجمل وقادت الجيش من أجل إبداء رأي وفكرة وقد أخذ الرسول عليه الصلاة والسلام معه سيدات ولم يكن هناك فساد وهذه نسيبة بنت كعب قد أتقنت فنون القتال وخاضت معركة أحد مع الرجال ودافعت عن الرسول ببسالة شهد لها أقرانها الرجال الذين رأوها وهي تكر وتفر يمنة ويسرة وإلى الأمام والوراء بمهارة فائقة وكم أتمنى لو أننا ندرس شخصية صاحبة السمو الملكي الأميرة نورا بنت عبدالرحمن آل سعود شقيقة الملك عبدالعزيز التي تمتعت وتميزت بالحكمة والآراء السديدة ولا يفوتني أن أذكر حليمة السعدية؛ فقد كانت امرأة بادية تحملت المسؤولية في تربية الرسول بشجاعة وكرم أخلاق كما أن العباسة عمة الرسول كانت مقاتلة وقد حاربت مع الرسول عند هجومه على قلاع اليهود، وهذه أسماء بنت أبي بكر كانت تأتي بالطعام في منتصف الليل إلى النبي ووالدها في غار حراء ولم يكن فساد ولم تتعرض للإساءة.
وهذا علم التربية يقول إن توقعاتنا من أولادنا هي التي تتحقق وقد أثبتت التجارب أن التوقعات من أهم أسباب النجاح والفشل وهذا يعني بأننا نحن الذين يتوجب علينا أن نربي أولادنا التربية السليمة؛ وبالتالي نبعدهم عن الفساد والخطأ، وإذا تتبعنا الحضارات في جميع أنحاء العالم نجد أنها جميعها لم تحرم المرأة من الرياضة فكيف بالحضارة الإسلامية التي تعد رائدة في الحضارات وفي الوقت الحاضر نرى أن المرأة السعودية لها مدرجات تشارك في المهرجانات الرياضية الخاصة؛ في الفروسية والهجن، فلماذا هذا الإصرار على حرمان المرأة من حقها في المشاركة؟! ولماذا هذا الحكم الجائر عليها وقد كان أسلافنا ينادون بعضهم بعضاً (يا أخا فلانة)؟! وإذا أراد أحدهم أن يعتز ويفتخر كان يقول (أنا أخو فلانة). حقاً لقد كان أسلافنا أكثر حكمة ووعياً وفهماً للدين والحياة الاجتماعية وهذه سنة حميدة، لماذا يريد البعض إلغاءها والقضاء عليها وعلى ما تركه لنا أجدادنا وهم القدوة الحسنة؟!.. حبذا لو نرعوي عن غينا ونتمسك بتراث آبائنا وأجدادنا الذي نعتز به ونريد ديمومته في مجتمعنا الطيب.
نصف المجتمع معطل فكيف يمكن أن يتطور مجتمع نصفه معطل ولا يعطى حقوقه؟! على الأقل في مشاهدة المباريات بشكل مباشر، ولماذا لا تشارك المرأة مع أبنائها وزوجها في مشاهدة المباريات وتسعدهم بوجودها وتستمتع معهم؟ لقد أصبحنا في هذا الزمن لا نعيش فقط في مجتمع يفصل الرجل عن المرأة بل يفصل المرأة عن أولادها.
أقول لمن لا يزال يفكر بعقلية قاصرة بأن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قد فسح المجال للرجل والمرأة وآمن بالعقل وليس بالجنس، ولم يفرق بين الرجل والمرأة؛ ففتح الأبواب للجميع وإني أستغرب كيف أننا نرفض شيئاً في وطننا ونمارسه في الخارج؟! لماذا أذهب بصفتي فتاة وأدفع تذكرة ومصاريف إقامة لأشاهد المنتخب السعودي وأشجعه لا لشيء إلا لأنه لا يسمح لي بتشجيع منتخب بلادي أو المنتخب الذي أشجعه في وطني، وهل ذلك حكراً على الرجال فقط؟ وإذا كان الأمر كذلك دعنا نبدل اسم منتخبنا ونقول المنتخب الرجالي للسعودية بدلاً من المنتخب الوطني السعودي.
وإذا نظرنا نظرة موضوعية في موضوع البحث نجد أن لدينا مهرجان الإبل السنوي وتذهب إليه النساء وكذلك نادي الفروسية وتدخل إليه العوائل وليس هناك محاذير شرعية إذا كانت المرأة برفقة زوجها أو عائلتها وإن مثل هذا الأمر يجمع العائلة ويعطي فرصة للأب والأم أن يقضيا وقتاً ممتعاً مع أولادهم في مناسبات رياضية يحبونها، وكما نعلم بأن هناك عدداً من الحدائق العامة التي تذهب إليها العائلات وتقضي وقتاً مع أطفالها، وحتى الآن لم نسمع بأي حادثة مخلة بالآداب العامة أو أنها كانت مسيئة في هذه الحدائق، ولتحقيق ذلك يمكن أن تتخذ إجراءات تكفل تحقيق الهدف دون أن يكون هناك أي مجال للانتقاد وأقترح أن تكون المدرجات التي تتواجد بها العائلات ذات بوابات بعيدة عن المدرجات الأخرى وأن يكون هناك شرطة مرور تنظم الدخول والخروج كما تفعل جميع الدول.
ولا بد من الإشارة أن المرأة السعودية قد وصلت إلى مستويات راقية من العلم والثقافة وأن المشكلة ليست في الإسلام ولا في العادات والتقاليد في المجتمع ونحن الدولة الوحيدة التي لا تسمح للمرأة بدخول المدرجات - وإلى متى تبقى هذه النظرة غير المنصفة للمرأة في كل المجالات؛ فهناك نساء مسلمات ومحجبات حققن نجاحات باهرة في الميدان الرياضي، وقد أخذ بعضهن ميداليات ذهبية في الأولمبياد وأعتقد أنه يجب أن ننظر إلى الرياضة نظرة كلية تشمل المجتمع بأكمله، فالعقل والصحة مطلوبان لجميع أفراد المجتمع وليس لفئة دون أخرى.
إن جميع المجتمعات الخليجية تشبه مجتمعنا في تقاليده وعاداته ودينه وقبائله.. هل هناك فرق؟! ولماذا تذهب بناتنا إلى الأسواق؟ هل نريدهن أن يكن مجتمعا استهلاكيا فقط؟ وهل نريد أن ندفعهن لمشاهدة الفيديو كليبات الهابطة أو إلى استعمال الكمبيوتر بطريقة خاطئة؟ دائماً الأمكنة المفتوحة أفضل من الأمكنة الضيقة للأطفال وللمجتمع، ومن الأفضل أن تشارك جميع أفراد الأسرة في الأنشطة الرياضية والثقافية وهنا أقول يجب أن تكون مهمة الأسرة الأساسية عدم السفر إلى الخارج؛ حيث تتكلف مصاريف باهظة ولكن في الوقت نفسه علينا أن نؤمن لها المشاركة في النشاطات الرياضية في بيئتها ومجتمعها وإننا نرى أن الأوروبيين يقضون إجازاتهم في ريف بلادهم ولا يذهبون إلى المدن وهذا عكس تصرفنا نحن العرب، حيث نذهب إلى المدن والأسواق والتزحلق على الجليد وركوب الدراجات على شاطئ البحر، وقد طلبت في مقال سابق بفتح نوادٍ للنساء وتطرقت إلى فوائدها الجمة، وهل ننسى أن لعبة الشطرنج هي لعبة رياضية ولكنها رياضة عقلية؟!.
همسات
ذكي من يعرف الآخرين، حكيم من يعرف نفسه.
تتفاهم الكلاب مع بعضها وأبجديتها حرفان.. هَو هَو ولدينا 28 حرفاً ولكننا لا نتواصل.
إنني لا أعكر صفو حياتهم أبداً إنني فقط أخبرهم الحقيقة فيرونها جحيما.
الفرق بين الذكاء والغباء هو أن الذكاء له حدود.
لست حزيناً لأنك كذبت عليّ إنني حزين لأنني لن أستطيع تصديقك بعد اليوم.
تعرف أخلاق المرء الحقيقية عند الشدة.