Al Jazirah NewsPaper Sunday  07/10/2007 G Issue 12792
وَرّاق الجزيرة
الأحد 25 رمضان 1428   العدد  12792
وثيقة نادرة تبيّن جزءاً من الجانب الخيري لوالدة الإمام سعود بن فيصل

خالد بن زيد بن سعود المانع

يعد شهر رمضان موسماً مباركاً لتنافس أهل الخير في بذل الأموال وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، وكان أهل الخير من أهل نجد في السابق يعتنون بالتصدق في هذا الشهر فيخصص كثير من الموسرين منهم ومن أصحاب النخيل جزءاً من أملاكهم ونخيلهم ليدفع غلتها من تمر أو قمح كي توزّع على الفقراء والصائمين في شهر رمضان المبارك.

وأمامنا في هذا المقال مثالٌ جميل وأسوة حسنة لإحدى سيدات القصر السعودي، وهي والدة الإمام سعود بن فيصل بن تركي آل سعود الأميرة دشيشة بنت ضيدان آل منديل العمور الخالدي التي أوصت بعدة أمور من أفعال الخير ومن ضمنها تفطير للصوام في شهر رمضان، وتأتي أهمية نشر هذه الوثيقة لاحتوائها على معلومات تأريخية تفيد الباحثين وتصحح بعض المعلومات التأريخية المغلوطة، وتحكي صورة من أعمال البر والخير قبل 130 عاماً في منطقة نجد.

والوثيقة صادرة عام 1293هـ من قاضي الخرج الشيخ عبد الله بن حسين المخضوب المتوفى سنة 1317هـ وبخط كاتبه عبد الله بن عتيق آل مسلم، وقد نقل هذا الوثيقة عام1362هـ معالي الشيخ راشد بن صالح بن خنين بأمر من شيخه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز قاضي الخرج ذلك الوقت رحمه الله، وهذا نصها:

(الحمد لله وحده، وجدت ورقة بقلم عبد الله بن عتيق، وإملاء الشيخ المخضوب وعليها ختمه، ونصها:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصت به دشيشة بنت ضيدان آل منديل العمور، وهي تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق والساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأوصت في غلة نصيبها من فريدة، وهو سدسها من ابنها سعود بأربع أضاحٍ كل سنة واحدة لها، وواحدة بينها وبين ابنها سلمان آل منديل، وواحدة لابنها سعود بن فيصل، وواحدة لوالديها.

وأوصت في نصيبها المذكور بمائة وزنة تمر كل سنة للصوام في شهر رمضان في مساجد بلد الدلم، والفاضل بعد المذكورات يشترى منه مصحف يوقف لسعود، وما فضل بعد ذلك يصرف في أوجه الخير، والوكيل لها في ذلك عثمان بن سعيد بن هليل، والنظر لأولاد ابنها سعود: محمد وعبد العزيز وعبد الله وعبد الرحمن. والقدر الذي يسع خمسة أصواع وقف لابنها سعود، والرحى أيضاً وقف له. شهد بذلك عبد الله بن حمد بن قاسم، وكتبه شاهداً به الفقير إلى الله تعالى عبد الله بن حسين المخضوب حامداً لربه مصلياً ومسلماً على محمد، وعلى آله وصحبه سنة 1293هـ ختمه).

ملخّص الوثيقة:

الموقِف: دشيشة بنت ضيدان آل منديل العمور.

الوقف: غلّة نصيبها من (فريدة)، وهو ملك ابنها الإمام سعود بن فيصل بن تركي آل سعود في الدلم.

الوصية:

1- أربع أضاحٍ كل عام تخصص على النحو التالي:

أ- أضحية لدشيشة صاحبة الوقف.

ب - أضحية بينها وبين ابنها سلمان آل منديل الخالدي (أخو الإمام سعود بن فيصل من الأم).

ت - أضحية مخصصة لابنها الإمام سعود بن فيصل.

ث - أضحية لوالديها، لأبيها ضيدان، ولأمها التي لم تذكرها الوثيقة.

2- مائة وزنة تمر كل سنة للصوام في شهر رمضان في مساجد بلد الدلم. (الوزنة: وحدة قياس للوزن كانت تستعمل للتمر في منطقة نجد إلى سنة 1385هـ، حيث حلّ محلها رسمياً الكيلوجرام) (1).

3- والفاضل بعد المذكور يفعل به ما يلي:

يشترى منه مصحف يوقف لابنها الإمام سعود.

ثم ما فضل بعد ذلك يصرف في أوجه الخير.

الوكيل على الوصية:

الشيخ عثمان بن سعيد بن هليل (إمام وخطيب جامع العذار).(وهو جد الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عثمان آل هليل القاضي في وادي الدواسر والأفلاج وحوطة بني تميم وغيرها).

الفوائد التأريخية من هذه الوثيقة:

في هذه الوثيقة فوائد عديدة وأعلام كثيرون ولكن سنركز فيها على علمين من أعلام الدولة السعودية الثانية كشفت الوثيقة عن فوائد نصت عليها، ولن نتطرّق للأعلام الآخرين الذين تحدثت عنهم المصادر الأخرى.

الفوائد التأريخية:

1- بيان الاسم الصحيح الكامل لوالدة الإمام سعود بن فيصل:

لم يتطرّق أحد من المؤرخين النجديين للكلام عن والدة الإمام سعود بن فيصل، وكان بعض المؤرخين مثل عبد الله فيلبي اعتقد أنها من قبيلة العجمان - بحكم مناصرة العجمان للإمام سعود في آخر الدولة السعودية الثانية، وللمصاهرة التي كانت تربط الإمام تركي بقبيلة العجمان - وتبعه في هذا الوهم فؤاد حمزة، وغيره (2).. وقد دلت الوثيقة على خطأ هذا الرأي، وبيّنت الاسم الصحيح لوالدة الإمام سعود بن فيصل وهي: دشيشة بنت ضيدان آل منديل العمور الخالدي.

وأسرة آل منديل من أمراء قبيلة بني خالد، إذ لهم إمارة بطن العمور من قبيلة بني خالد إلى الآن، وكانت هذه الأسرة من بادية بني خالد، وعندما وطّن الملك عبد العزيز قبائل البادية استقرت هذه الأسرة في الرياض وقرية العليا بالمنطقة الشرقية وغيرها (3).

والعمور بطن من بني خالد كما نص على ذلك ابن بسام الذي ألف كتابه قبل مائتي عام (في أوائل القرن الثالث عشر) (4)، كما أن ابن بشر الذي ألف كتابه عام 1270هـ قال في مجمل حديثه عن القائد سلمان آل منديل: سلمان بن منديل العمري الخالدي (5).

وقد برز من أسرة آل منديل عدد من الفرسان يأتي في مقدمتهم سلمان آل منديل (الذي سنتطرّق له في هذه الوثيقة) أحد قادة السرايا في الدولة السعودية الثانية في زمن الإمام فيصل بن تركي، وكذلك منديل بن غصاب آل منديل الذي كان أحد رجال الإمام سعود بن فيصل عام 1291هـ، ومن أشهر آل منديل في القرن الماضي الفارس غصاب بن هتيمي بن نهار بن سلمان بن فغران آل منديل أحد الرجال الملازمين للملك عبد العزيز رحمهم الله جميعاً (6).

ويوجد ارتباط مصاهرة بين الأسرة المالكة السعودية، وبين أسرة آل منديل إذ إنهم أخوال عدد من أصحاب السمو الملكي الأمراء كالأميرة شيخة بنت الملك عبد العزيز رحمهما الله، وصاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن سعود أمير منطقة نجران، وصاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن سلطان بن عبد العزيز، وغيرهم.

ولم يتطرق أحد بالتفصيل لشخصية والدة الإمام سعود بن فيصل عدا كتاب (نساء شهيرات من نجد)، وهوكتاب جيد وفريد صدر عن دارة الملك عبد العزيز، اعتمدت فيه مؤلفة الكتاب على بعض المصادر التأريخية، وبعض المصادر الشفهية (7)، ولكن ذكرت فيه معلومتين صححتهما هذه الوثيقة، وهما كما يلي:

أ- ذكرت مؤلفة الكتاب أن اسم والدة الإمام سعود بن فيصل هي دشيشة بنت راكان آل منديل، والصحيح أن اسم والدها ضيدان آل منديل، وليس راكان.

ب - أشارت المؤلفة إلى عدم معرفة تفاصيل آخر حياة الأميرة دشيشة، ومتى توفيت؟ وهل ذهبت إلى حائل مع من ذهب من أحفادها؟

وقد بيّنت هذه الوثيقة أن هذه الأميرة عمّرت وبقيت حيّة بعد وفاة ابنيها الإمام سعود بن فيصل، وابنها الآخر سلمان آل منديل، كما أشارت الوثيقة إلى جانبٍ مهم في حياتها وهو هذا العمل الخيري النبيل، وقد اطلعت على وثيقة أخرى عام 1304هـ، تبيّن أن الأميرة دشيشة توفيت في هذا العام أو ما قبله، ومعلوم أن ذهاب بعض من تبقى من أحفادها كان عام 1305هـ.

1- الجانب الإنساني لدى والدة الإمام سعود:

تميّز كثير من سيدات القصر السعودي بالعمل الخيري والتنافس فيه، وهي صفة لازمت نساء القصر منذ نشأة الدولة السعودية وحتى الآن، ومن يقرأ كتاب (نساء شهيرات في نجد) للدكتورة دلال مخلد الحربي يلاحظ العشرات من أولئك السيدات يتنافسن في وضع المبرات ويخصصن لها الأوقاف، وتبيّن لنا هذه الوثيقة نزعة العمل الخيري في والدة الأمير سعود التي أوقفت هذه الوصية على أعمال الخير، وعلى الصائمين في شهر رمضان، ويلاحظ في صلاح هذه الأميرة أن وقفها تعدى إلى أدوات الطعام في مطبخها الخاص الذي قدّمته تقرباً إلى الله تعالى - نسأل الله العظيم أن لا يحرمها أجره - وهو عمل متّبع لكثير من فاعلى الخير ممن أغناهم الله تعالى في تلك الفترة الزمنية من خلال ما اطلعت عليه من الوصايا والأوقاف في منطقة جنوب نجد.

2- الحديث عن قائد من قواد الدولة السعودية الثانية (سلمان آل منديل الخالدي):

ورد ذكر هذا العلم في تأريخ ابن بشر كقائد من قادة الحروب في الدولة السعودية الثانية في زمن الإمام فيصل بن تركي (8)، فقد أرسله الإمام فيصل عام 1261هـ على رأس سريّة إلى الأفلاج، ثم أرسله إلى الوادي عام 1264هـ على رأس سريّة من أهل الخرج والفرع (الحريق - نعام - حوطة بني تميم - الحلوة)، ولم يشر أحد من المؤرخين أو المحققين إلى قرابته من الإمام سعود بن فيصل، وأنّه أخوه من الأم كما أفادت هذه الوثيقة، ومع أننا لا نعلم عن آخر حياة سلمان المنديل شيئاً، وهل يفهم من هذه الوثيقة وفاته قبل عام 1293هـ، ولماذا لم يبرز مع قرابته الشديدة من الإمام سعود في معارك الإمام سعود في المعتلى أو جودة أو البرة، مما ترجّح هذه الأمور أنه توفّي قبل ذلك.

وفي الختام أرجو أن أكون قد وفّقت أن أقدّم للقارئ الكريم عرضاً لوثيقة تنقل لنا بعض مظاهر البر والإحسان في بلادنا قبل 130 عاماً في شهر الصيام، وتسلط الضوء على بعض الأعلام الذين كان لهم دور وإسهام في تأريخ الدولة السعودية.

****

المراجع

(1) ابن بشر: 2 - 139 (محقق التأريخ).

(2) انظر كتاب: (بعثة إلى نجد، فيلبي) تحقيق د. عبد الله العثيمين ص 120، و(قلب جزيرة العرب، فؤاد حمزة) ص 345 .

(3) مجلة العرب من 27 - 247 .

(4) ابن بسام، الدرر المفاخر ص 117 - 113 .

(5) ابن بشر 2-246 .

(6) مجلة العرب من 27 - 247 .

(7) نساء شهيرات من نجد - دلال مخلد الحربي ص 62 .

(8) ابن بشر 2 - 231 - 246 .




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد