الرياض - عبد الله الحصان
قال الاقتصادي الدكتور سالم القظيع ل(الجزيرة): إن القناعات التي تولدت لدى الرأي العام في المملكة بوجود سياسة مثالية لسعر الصرف غير دقيقة؛ فلكل سياسة متطلبات ومزايا وعيوب، كما أن الارتباط بسلة من العملات قد لا يشكل حلاً سحرياً للضغوط التضخمية في الاقتصاد، لسبب بسيط هو أن الشواهد التاريخية في الاقتصاد العالمي تظهر أن المصدر الأكبر لارتفاع الأسعار في أي اقتصاد يأتي لأسباب لا ترتبط بسعر الصرف بأي صلة.
وأضاف القظيع: على سبيل المثال يمثل ارتفاع الطلب على السلع والخدمات أحد أشهر الأسباب المباشرة لارتفاع الأسعار المدفوع عادةً بارتفاع الإنفاق الاستهلاكي (سواء إنفاق الأسر أو إنفاق الحكومة) نتيجة لأسباب هيكلية، حيث تتزايد الكميات المطلوبة من السلع والخدمات بغض النظر عن هيكل الأسعار. كما أن سياسة تعويم العملة بحاجة إلى بنك مركزي قادر من حيث التأهيل الإداري والبشري على التعامل مع التفاعلات الاقتصادية الناجمة عن هذا التعويم. وفي المقابل، فإن التمسك بالارتباط بالدولار لا يعني أن الاقتصاد السعودي يتمتع بحماية صدفية كاملة من آثار تقلبات أسعار الصرف!.
وفنياً قال الدكتور القظيع: إن الدعوة إلى فك ارتباط الريال بالدولار أتت نتيجة الضغوط التضخمية التي بدأت ملامحها تظهر على الاقتصاد السعودي مؤخراً وبدأ المواطن العادي يتلمسها في حياته اليومية. وأضاف: نعم لا شك أن تغيرات سعر الصرف تؤثر على الأسعار المحلية بغض النظر عن سياسة سعر الصرف المتبعة، ولكن الاستجابة لتأثيرات انخفاض الدولار على مستوى الأسعار في المملكة وعلى الاقتصاد السعودي إجمالاً يجب أن تكون مستندة إلى حقائق هذه التأثيرات من خلال متابعة هذا التأثير إحصائياً. ومن هذا المنطلق فإن الدعوة إلى فك الارتباط بالدولار أو إعادة تقييم سعر صرف الريال أمام الدولار يجب أن تستند إلى قياس لتأثير هذا الارتباط، كما أن الدعوات الرسمية للحفاظ على سعر الصرف في وضعه الحالي وإنكار تأثيراته على الاقتصاد السعودي هي الأخرى يجب أن تستند إلى إحصاءات تثبت صحة أنه ليس لانخفاض الدولار أي تأثير على الأسعار والاقتصاد السعودي، حيث إنه من غير المنطقي في كلتا الحالتين أن نسعى إلى الدعوة نحو فك الارتباط بالدولار أو التمسك به أو إعادة تقييم سعر الصرف الحالي استناداً إلى منطق نظري بحت.
ولقياس تأثير انخفاض الدولار على التضخم في المملكة والتبعات الأخرى لهذا الانخفاض قال القظيع: يتوجب القيام بعدة خطوات لقياس التأثيرات؛ مثل أن تقوم مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات بنشر بيان يقيس نسبة تأثير انخفاض الدولار على مستوى التضخم في المملكة، كونها تمثل الجهة الرسمية المناط بها مهام قياس التضخم أولاً كما أنها الجهة التي تجتمع لديها البيانات الخاصة بأنشطة التجارة الخارجية للمملكة، وأن تقوم مؤسسة النقد بنشر بيانات حول المعاملات التجارية التي تمت من خلال المصارف السعودية بالدولار واليورو والعملات الرئيسة الأخرى، وتقسيم تلك المعاملات حسب الغرض منها. ومن خلال هذه البيانات يمكن الاستدلال بقياس أي العملات أكثر سيطرة على المعاملات الخارجية للاقتصاد السعودي.
وطالب القظيع بضرورة توفير ونشر هذه البيانات للعموم؛ لأنها ستظهر للجميع أن قرار المحافظة على سياسة سعر صرف الريال بوضعها الحالي من عدمه يستند إلى إحصاءات تحاكي الواقع، وتجعل منه قراراً أقرب للصحة منه للخطأ، أما إذا كانت هذه البيانات غير متوفرة فهذا أمر مؤسف وله انعكاسات خطيرة على آلية اتخاذ القرار، ويجعلها تقوم على تكهنات فقط. كما أنه من المهم توعية الرأي العام من خلال نشر هذه البيانات لكي يستوعب الكتاب والقراء ووسائل الإعلام إجمالاً آثار الارتباط من عدمه على الاقتصاد السعودي.
واختتم القظيع: يجب أن لا ننسى أن هناك خلفية سياسية للاستمرار في ربط الريال بالدولار تتمثل في التزام دول مجلس التعاون بربط عملاتها بالدولار حتى إطلاق العملة الخليجية، وبالتالي فإن عدم التزام المملكة بهذا القرار له تداعيات أكبر من تداعيات عدم التزام دولة أخرى به، وذلك بحكم الدور المحوري للمملكة في الوحدة النقدية الخليجية دونما تقليل من شأن دور الاقتصاديات الخليجية الأخرى.