Al Jazirah NewsPaper Friday  07/07/2007 G Issue 12700
مقـالات
السبت 22 جمادىالآخرة 1428   العدد  12700

الساعة
د. محمد العيد الخطراوي

هي مساعدة على ضبط المواعيد، ومطمئنة على عدم ضياعها، أو هكذا يصورها إبراهيم ناجي (الديوان 27):

حان اللقاء بغادتي، وأنا

أخشى سرابا خادعا منها

متلهف استبطئ الزمنا

وأظل أسأل ساعتي عنها

* وهي أشياء كثيرة عند الشاعر أحمد الصافي النجفي؛ وذلك كما في ديوانه (التيار 99) بعنوان (الساعة) يبدؤها بأسلوب أشبه ما يكون بأساليب الألغاز، وذلك أنه لا يسميها، وإنما يعمد إلى ذكر مجموعة من الصفات التي تعرف بها، لأنها لا تنطبق إلا عليها:

وآلة تقطع الأيام سائرةً

لا تبصر العين من تسيارها أثرا

كأنها تبصر الأوقات راسمةً

لها وما ملكت كفا ولا بصرا

أرى عقاربها اللاتي تدور بها

عقاربا كلّ حين تلدغ البشرا

تهاجم العمر دوماً وهي ساكنة

والعمر يركض منها خائفاً حذِرا

ثم يفلسف وجودها من خلال خضوعها للقانون العام للموجودات، من حيث إن لها جوانب إيجابية تتمثل فيما تقدمه للإنسان من منافع، وجوانب سلبية من نهبها أعمارنا، وإيحائها الدائم لنا بالفناء، وتناقص الأعمار:

نعدّها من جماد، وهي مدركةٌ

من وقتنا ما اختفى عنا، وما ظهرا

إن صاغها من جماداتٍ حجا بشر

فقد ترقت، فأضحت ترشد البشرا

تطوي السنين وتجري، وهي ثابتة

وتمنح الناس - لكن لم تفُه - عِبرا

فإن يكن أيّ سير في المكان يُرى

ففي الزمان مسير جاوز النظرا

ويمضي في وضع تفسيرات لدقاتها، ويربطها بخفق قلوب البشر، وإيقاعات الزمن، وما يتركه كل أولئك من آثار على أعمارنا:

كأن دقاتها في كل آونة

دقات قلبِ خفوقٍ بالنوى صُهِرا

كأن في جوفها قلب الزمان غدا

يدق مستعجلاً من نفسه ضجِرا

يقطّع الخفقُ منه كل آونة

جزءاً، فتحسُبه بالخفق منتحرا

بالخفق نحيا، وذاك الخفق ينقصنا

جزءاً من العمر من أرواحنا انبترا

ثم يربط دقاتها أيضاً بكل ما يدل على القناء:

كأن دقاتها في السير حشرجة

للدهر يلفظها جزءٌ قد احتُضِرا

كأنما هي أنفاس يردّدها

دهرٌ تأوّه، أو ذو علةٍ زفرا

كأن توقيعها المِرنان وقعُ خطى

للدهر في موكب نحو الفَنا عَبَرا

ثم يستثمر الاشتراك اللفظي بين عقاربها والعقارب السامة، مشيراً إلى أن بينهما علاقة معنوية خفية أيضاً، وهي أن كلاً منهما وسيلة من وسائل القضاء على أعمار البشر:

يبغي الفرارَ من الساعات عقربُها

خوفاً على العمر ممن تتلف العُمُرا

لكن يعود إليها مكرها جزِعا

كساكن قفصا، أو موثق أُسِرا

فهو يشكو من الساعات وعقاربها، وارتباطهما بالزمن، ويتمنى لو كسرت العقارب، وانفك الرباط بين الساعات والزمن، لنعيش عمراً هادئاً، لا طول فيها ولا قصر، ولا إحساس فيها بمرور الزمن.

ليت القلوب من الساعات قد وقفت

أوليت عقربها الجرار قد كُسرا!

حتى تمرّ بنا الأوقات سانحة

ما إن نحس لها طولا ولا قصرا

وكي تمرَّ بنا الأوقات عابرةً

جسرَ الحياة وهذا البرزخَ الخطِرا

ما العمرُ إلا منام، طال أم قصُرا

فلا تقطع مناماً في الرقاد سرى

من يصحُ من نومه لم يلقَ غير أسى

وفاز بالسعد من في حلمه سكَرَا

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5463 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد