دراسة تاريخية وجغرافية لأحداث وتحركات الملك عبدالعزيز لاسترداد الرياض 1319هـ(1901- 1902م)
هذا الكتاب الذي صدر قبل أعوام بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية
مغادرة الرياض والعودة إليها
بعد عودة الملك عبدالعزيز من محاولته الأولى استرداد (الرياض) عام 1318هـ -1901م، سعى بكل جد أن يأذن له والده الإمام عبدالرحمن بمحاولة أخرى، ونجح في إقناعه، وخرج من (الكويت) في ربيع الآخر عام 1319هـ- 1901م ومعه أربعون مقاتلاً من رجاله، واتجه جنوباً حتى وصل (العيينة - عوينة كنهر) في (وادي المياه) بمنطقة (النقرة) شمال غرب (الأحساء)، وفي هذه المنطقة انضم إليه نحو ألف وأربعمئة مقاتل من قبائل المنطقة.انطلق الملك عبدالعزيز بجيشه من (العيينة) تجاه (الرياض) لاستردادها مستغلاً فرصة إقامة ابن رشيد في (حفر الباطن) استعداداً للهجوم على (الكويت) فسلك (درب الكنهري) حتى وصل (حفر العتش)، وأرسل الطلائع من هناك إلى (الرياض) لجمع المعلومات والتحري عن مدى إمكانية مهاجمة حاميتها، وواعدهم على ماء (الحفاير)، وفي (الحفاير) جاءت الطلائع بخبر يفيد بعدم مناسبة التقدم نحو (الرياض)، فقام الملك عبدالعزيز بتنظيم جيشه في صباح اليوم التالي، وتحرك بهم نحو (عالية نجد) وهناك أغار على بادية (عتيبة) على ماء (أبو خيالة) جنوب شرق (الدوادمي) وفي الغارة نفسها غير الملك عبدالعزيز اتجاهه إلى الجنوب الشرقي وأغار على باديتي (عتيبة) و(قحطان) على مائي (الجثجاثية) و(عسيلان) شمال غرب (القويعية) وغنم في الغارتين، ومر في طريق عودته إلى (الأحساء) على ماء (البخراء)، ومنه أرسل رسولاً إلى الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ في (الرياض) يبشره بما تحقق له من نجاح، فجاوبه الشيخ برسالة مع الرسول نفسه، فالتقى الرسول بالملك عبدالعزيز في (الحاير) جنوب (الرياض) وسلمه الرسالة وأقام فيها يوماً واحداً، ثم اتجه إلى (الأحساء) ليتمكن جيشه من التمون، وكانت متصرفية (الأحساء) التابعة للحكومة العثمانية قليلة العدد وإدارتها ضعيفة.وبعد أربعة أيام من الإقامة في (الأحساء) قام الملك عبدالعزيز بشن غارة ثانية، حيث اخترق (وادي المياه) حتى وصل (الحناة) في محاولة منه لجمع أكبر عدد من المقاتلين، ثم سلك (درب الجودي)، حتى وصل بمحاذاة (معقلا)، حيث غير طريقه متجهاً إلى مورد (رماح) ثم أغار على عرب (العاصم) من (قحطان) في (عبلة سدير) فانتصر وغنم، وأثناء عودته زحف بجيشه على بادية (مطير) في (عشيرة سدير) فأغار عليهم وغنم، ورحل الملك عبدالعزيز إلى (حفر العتش) حيث قسم بعض الغنائم، وأرسل رسولاً إلى (الرياض) مرة أخرى إلى الشيخ عبدالله بن عبداللطيف يبشره بما تحقق له، فجاوبه الشيخ، فالتقى الرسول مع الملك عبدالعزيز في (بنبان) يشير إلى وجود محاولة لاسترداد (الرياض) بيد أن الظروف لم تكن ملائمة لذلك، فعاد بجيشه إلى (الأحساء) مرة أخرى، وأقام هناك أسبوعين قسم فيها الغنائم على جيشه وأهدي منها على المسؤولين العثمانيين في (الأحساء) لاتقاء خطرهم واستمالتهم إليه، وباع رجاله غنائمهم وتزود بالمؤنة، وبعد هذه الغارة ذاع صيت الملك عبدالعزيز، وازداد جيشه إلى نحو ألفين ومئة مقاتل ما بين خيال وهجان، وتضايق ابن رشيد من هذه التحركات، فطلب من الشيخ قاسم بن ثاني أمير (قطر) مجابهة الملك عبدالعزيز، كما طلب من الدولة العثمانية عن طريق واليها في (البصرة) إيقاف تحركات الملك عبدالعزيز فلبت الحكومة العثمانية طلبه، ومنعت الملك عبدالعزيز من التمون من (الأحساء) أو الإقامة فيها، كما أكدت على رؤساء قبائل المنطقة بمنع رجالها من مساعدته.
إثر ذلك اضطر الملك عبدالعزيز إلى ترك مكان إقامته في (الأحساء) وتوجه بجيشه إلى (حرض)، وبدأ أفراد القبائل الذين يشكلون غالبية جيشه يتفرقون عنه طلباً للكلأ لمواشيهم بسبب دخول فصل الشتاء، لذلك قام الملك عبدالعزيز بتجهيز حملة بمن تبقى معه وأغار بهم على بادية من (الدواسر) في (الثليماء) جنوبي (الخرج)، وعاد بعدها إلى نواحي (حرض) حيث تفرق عنه بقية أفراد جيشه، ولم يبق معه سوى الأربعين الذين خرجوا معه في (الكويت)، وعدد إضافي يقدر بنحو عشرين رجلاً ثم انتحى إلى جهة (يبرين).
وفي آخر رجب 1319هـ - نوفمبر1901م، بينما كان الملك عبدالعزيز يتنقل بين (حرض) و(يبرين) وفد إليه مبعوث من والده الإمام عبدالرحمن والشيخ مبارك الصباح يحمل رسالة تتضمن طلب الكف عن شن الغارات والعودة إلى (الكويت)، فاجتمع الملك عبدالعزيز برجاله وأطلعهم على رسالة والده، ثم خيرهم بين العودة أو البقاء معه، فاختاروا جميعاً صحبته وعاهدوه على ذلك، وطلب الملك عبدالعزيز من رسول والده نقل ما رآه من موقف رجاله المرافقين له.
غادر الملك عبدالعزيز المكان الذي كان يتنقل فيه بين (حرض) و(يبرين) متجهاً نحو (الأحساء) استعداداً للتخفي، وعندما وصلوا (الثقبة) جنوب (الهفوف) أرسل الملك عبدالعزيز بعض مرافقيه للتمون، ثم اتجه مع رجاله جنوباً حتى تغلغلوا في الأطراف الشمالية من رمال (الجافورة) وأقاموا فيها مدة خمسين يوماً متخفين عن الأنظار من بداية شعبان إلى عشرين رمضان 1319هـ - نوفمبر - ديسمبر 1901م، وقد عانى الملك عبدالعزيز ورجاله محنة قاسية فترة اختفائهم أضرت بهم وبإبلهم لهذا عندما خرج الملك عبدالعزيز من (الجافورة) باتجاه (أبو جفان) وصف رواحلهم بأنها رديئة.
خرج الملك عبدالعزيز من (الجافورة) في عشرين رمضان 1319هـ، وورد ماء (الزرنوقة) ثم مر على آبار (ويسة) واتجه جنوباً نحو آبار (حرض) من أجل التعمية، ثم واصل مسيرته حتى وصل إلى ماء
(أبو جفان) ليلة العيد 9 يناير 1902م، وأمضى مع رجاله يومين من أيام العيد هناك، وفي مساء اليوم الثالث سار من (أبوجفان) باتجاه (الرياض) لقطع المرحلة قبل الأخيرة، حيث وصل ضلع (الشقيب) في الساعة السادسة من مساء الرابع من شوال 13 يناير1902م.وفي (الشقيب) قسم الملك عبدالعزيز رجاله إلى قسمين، حيث ترك ثلاثة وعشرين رجلاً عند الإبل والأمتعة، وتقدم بالأربعين الباقين إلى (الرياض)، وقبل أن يصل أسوارها قسم رجاله مرة أخرى إلى مجموعتين، الأولى أبقاهم خارج أسوار المدينة عند بستان لابن حوبان قرب بوابة الظهيرة وعددهم ثلاثة وثلاثون بقيادة أخيه محمد بن عبدالرحمن، والسبعة الباقون سار بهم إلى (الرياض) حيث دخولها عبر أجزاء السور الذي هدمه الأمير محمد ابن رشيد بعد وقعة (حريملاء) سنة 1309هـ- 1891م، وتسللوا داخل البلد حتى تمكنوا من دخول البيت المجاور لبيت أمير (الرياض) عجلان، وأرسل الملك عبدالعزيز أبناء عمه عبدالعزيز بن جلوي، وفهد بن جلوي إلى أخيه محمد ورفاقه لينضموا إليهم.بقي محمد ورفاقه في البيت المجاور لبيت عجلان، بينما تسلل الملك عبدالعزيز والسبعة الذين معه إلى بيت عجلان، وكان معهم شمعة، فطافوا في البيت، وحبسوا الخدم في إحدى الغرف، ثم دخل الملك عبدالعزيز غرفة نوم عجلان، ولم يجده تلك الليلة، وتبين له أن عجلان ينام في قصر (المصمك)، وعرف من زوجته وقت خروجه من (المصمك)، ثم حبسها مع الخدم، واستدعى أخيه محمد ورفاقه فاجتمع الأربعون في بيت عجلان، استعداداً لمواجهته بعد طلوع الفجر، ووضعوا الخطة لذلك، وبعد أن فتح باب القصر وخرج منه عجلان وحرسه، خرج الملك عبدالعزيز ورجاله من البيت لمواجهتهم، فاشتبك الجميع في معركة سريعة انتهت بمقتل عجلان واستسلام من بقي من حامية القصر، وإعلان الحكم لله ثم لعبدالعزيز، وجاءت الوفود مبايعة في 5 شوال 1319هـ - 14يناير 1902م.