موعدنا يوم الجنائز.. مقولة للإمام العالم (أحمد بن حنبل) - رحمه الله - قالها عندما قال له بعض الناس: إن الناس قد انفضوا من حولك.. فقال لهم: موعدنا يوم الجنائز.. في إشارة إلى أن يوم الجنائز هو
شهادة لصاحبه بقدر ما يحتشد فيه من الناس..؛ فإذا كان الأمر كذلك فإن الحشود التي أمّت جنازة معالي الشيخ عبد العزيز التويجري - رحمه الله - والحشود التي توافدت على بيته للعزاء لتشهد للرجل - بعد رحيله - بما كان له من منزلة وتقدير في نفوس الناس.. أما أنا فقد التقيت به عدة مرات، أكثرها كان في مكتبه؛ لكني أذكر من بين هذه المرات العديدة التي التقيته فيها لقاءين مميزين؛ أولهما كان في لندن العاصمة؛ حيث قابلته، وجلست معه.. فلمست ما تتمتع به هذه الشخصية العملاقة من ذكاء حاد وفكر متقد متجدد، وثقافة عميقة ثرية متعددة الروافد.. أخذت من كل فن بطرف. والثانية عندما شرفت بدعوته لي لحضور أحد اللقاءات التي كان يعقدها في بيته؛ فحضرت مع لفيف من الناس؛ هم في جملتهم من العناصر الشابة المؤهلة بالعلم والخبرة، وقد قدرت يومئذ أن معاليه يعقد مثل هذه اللقاءات ليتعرّف عن قرب على قدراتهم وشخصياتهم، فهم في تقديره ثروة البلاد الحقة.
لقد كان - رحمه الله - مفكراً موسوعياً؛ يتضح ذلك فيما تركه من تراث فكري شامل أثرى به المكتبة العربية على نحو ما نجده في مؤلفاته (في أثر المتنبي) (حتى لا يصيبنا الدوار) (حاطب ليل ضجر) (منازل الأحلام الجميلة) (خاطرات أرقني سراها) (الإنسان رسالة) (لسراة الليل هتف الصباح) وغيرها.. وهي تعكس فكراً متنوّعاً ومعالجة عميقة للموضوعات تدل على حكمته وفكره المتميز.. إن قراءة متأنية في سيرته ومسيرته ومثلها فيما تركه من المؤلفات والتصانيف.. تقودنا إلى أن الرجل كان أهم ما يميّزه هو حبه وإخلاصه ووفاؤه ونصحه لهذا الوطن وولاة الأمر فيه - حفظهم الله - وقد عبَّر عن هذا كله قولاً، وعملاً، وكتابة.. ولا أحسبني مبالغاً إذا قلت: إنه يعد فارساً في هذا الميدان.. لقد كان رجل خير.. قدَّم الكثير من المشروعات والأعمال الخيرية التي نفع الله بها المسلمين داخل المملكة وخارجها.. وقد كان منزله منتدى للجميع من كل الأطياف الفكرية والاجتماعية.
ويعد معاليه - رحمه الله - من رواد إحياء الثقافة العربية؛ فهو أحد الأركان الرئيسة لمهرجان الجنادرية.. كما أنه من مؤسسي الكثير من المؤسسات العاملة في هذا المجال.. لقد تركت هذه الشخصية العملاقة أثراً عظيماً في نفوس السياسيين والمفكرين وعامة الناس على المستويين المحلي والعالمي لما كان يتمتع به من حسن الخلق وجميل الخصال، والتواصل مع الناس عامتهم وخاصتهم، ورقي في المشاعر، وسعي دؤوب في قضاء حوائجهم، وأدب جم، وتواضع في التعامل، وهشاشة وبشاشة في اللقاء.. وأود أن أختم هذه الكلمة بقولنا المأثور: (من أرث ما مات)؛ فهذا عزاء هذا الوطن فيه - رحمه الله - فقد ترك لنا ذرية صالحة من أبنائه؛ أحسن تربيتهم وإعدادهم، وزوّدهم بالخبرة المطلوبة.. فها هم اليوم يقتفون أثره عملاً، وخلقاً، وإخلاصاً، ووفاءً، وتفانياً.. في خدمة هذا الوطن وولاة الأمر - حفظهم الله -.
فرحم الله فقيد هذا الوطن معالي الشيخ عبد العزيز التويجري. رحمة واسعة.. ووفق أبناءه لإكمال مسيرته المباركة..
الوكيل لكليات البنات