انتابت سوق الأسهم هذا الأسبوع أزمة تراجع شديدة أدت إلى انخفاضات متتالية على مستوى كل أيام الأسبوع باستثناء السبت. وقد تباينت الأسباب المفسرة لهذه الانخفاضات ما بين التهديد الإيراني إلى استمرار الاكتتابات وحالة التشاؤم التي تفرضها على ضعف معدلات السيولة، وما بين العنصر الرئيسي والأكثر أهمية، وهو استمرار حركة التصحيح والمسار الهابط منذ 474 يوماً. وإذا كان هناك قناعة بضعف تأثير المتغيرات السياسية على السوق السعودي في المنطقة المحيطة، إلا أنه لا يوجد أحد يمكن أن يفترض سريان ذلك على التصعيد الإيراني الأخير. ولكن إذا افترضنا صدق هذه الفرضية بتأثر السوق بهذا التصعيد؛ فلماذا استمر تراجع السوق حتى بعد صدور نفي لهذا التهديد. وفضلاً عن ذلك فإنه يفترض أن تكون أسواق المال الخليجية التي تقترب حدودها الجغرافية أكثر من إيران أكثر تأثراً من السوق السعودي، ولكن الواقع العملي يشير إلى عكس ذلك... وهنا يثار الجدل من جديد حول امتزاج العامل السياسي بعوامل الميل التلقائي للهبوط أكثر من ذلك؛ فلماذا في كل مرة يتم استغلال مثل هذه العوامل، سواء سياسية أو غير سياسية لخلق أو بالأحرى استعادة مسارات هابطة كامنة للسوق؟ وإلى متى سيستمر هذا الوضع الكامن للهبوط؟ وما القاع المستهدف؟ وهل فعلاً بات قريباً أم أنه سيتجدد مثلما يحدث في كل مرة؟ وإذا كانت غالبية الأسهم الاستثمارية قد وصلت إلى مستويات عادلة، كما تشير العديد من التقارير المتخصصة، وهي الأسهم الأكثر عدداً وحجماً وتأثيراً في السوق... فهل يمكن القول إن السوق سيظل في كبوته انتظاراً لتصحيح أسهم خاسرة لا تساهم مجتمعة سوى بما لا يزيد على 5% تقريباً في هذه القيمة السوقية، أم أن السوق قد اعتاد على الهبوط.. وصار الهبوط هو الضمان الوحيد ضد عدم تكرار الصعود المبالغ فيه كالماضي؟
انخفاضات متتالية ومنتظمة ومتدرجة خلال الأسبوع
رغم أن السوق بدأ أسبوعه على صعود يوم السبت الماضي عندما أغلق عند 7453 نقطة رابحاً 89.8 نقطة، إلا أنه بدءاً منذ يوم الأحد حتى يوم الإغلاق الأسبوعي يوم الأربعاء أحرز انخفاضات متتالية خسر المؤشر خلالها 378 نقطة. وقد ساد الشعور بأن ضغوط الأسهم البنكية وبدء اكتتاب جبل عمر هما السبب وراء هبوط يوم الأحد الماضي. أما يوم الاثنين مع التهديدات الإيرانية فزادت حدة الهبوط ليخسر المؤشر 203.2 نقطة عندما أغلق على 7172.6 نقطة، وتحدث الجميع عن مبرر منطقي بسوء الحالة النفسية للمتداولين، وأنها مبررة بهذا التصعيد. ولكن استمر الهبوط يوم الثلاثاء حين خسر المؤشر 97.1 نقطة جديدة رغم نفي التهديدات المزعومة، بل استمر الهبوط حتى يوم الأربعاء عندما وصل المؤشر إلى قاع جديد عند 7022 نقطة، ولكنه تمكن من تعويض خسائره عند الإغلاق ليغلق خاسراً فقط 0.99 نقطة أو لنقل إنه إغلاق على عدم تغير. وبعيداً عن شكل هذا الإغلاق المفتعل عند 7074.5 نقطة، فإن السوق خسر في أسبوعه نحو 288.5 نقطة أو ما يعادل 3.92%. وهنا يثار التساؤل: هل هبوط هذا الأسبوع نتيجة الاضطراب السياسي أم أنه حلقة جديدة في سلسلة الهبوط التصحيحي المستمرة؟
الأربعاء.. كل أسواق الخليج تحقق صعوداً باستثناء السعودي والقطري!!
البعض يبرر هبوط المؤشر السعودي هذا الأسبوع بنحو 3.92% بالتصعيد السياسي الأخير. نعم.. كان لهذا التصعيد أثر نفسي سلبي يوم الاثنين وتسبب في خسارة المؤشر 203.2 نقطة، إلا أن هذه الخسارة جاءت أعلى من معدلات استجابة أسواق المال الأخرى في دول الجوار، مثل دبي التي لم تخسر سوى 1.37% يوم الاثنين، بل إن هذه الأسواق عادت إلى طبيعتها يومي الثلاثاء والأربعاء، وبدأت تربح وتخسر بحسب معاييرها السوقية؛ بدليل أن سوق دبي ربح يوم الثلاثاء 0.54% ثم ربح الأربعاء 1.53% بل إن كل أسواق الخليج عادت إلى طبيعتها يوم الأربعاء الماضي، بشكل أحرزت خلاله جميع هذه الأسواق صعوداً بنسب متباينة باستثناء سوقي السعودية وقطر؛ أي أن العامل السياسي لم يؤثر سوى يوم الاثنين وانتهى تأثيره تماماً تقريباً يومي الثلاثاء والأربعاء، وكل ذلك رغم معرفة أن التصعيد السياسي كان يتوقع أن تكون له تأثيرات أوسع وأشد قسوة في أسواق الإمارات التي تقترب حدودها الجغرافية مع إيران، فإذا لم يكن التصعيد السياسي هو السبب... فما سبب الانخفاضات؟
أسباب الهبوط؟
ما دام أن التصعيد السياسي هذا الأسبوع لم يؤثر سوى يوم الاثنين، فإن السوق يعتقد أنه سعى لاستغلال هذه الشرارة لاستعادة المسار الهابط من جديد. ورغم أن البعض يبحثون عن مفسرات لهذا الهبوط؛ إذ يعتقد بعضهم أن توالي وتعدد الاكتتابات الجديدة هو السبب، والبعض الآخر يعزيه إلى سيطرة الحالة النفسية التشاؤمية التي تعمل ضد ضخ سيولة جديدة في السوق. والبعض يربطه بتحول كثير من المستثمرين إلى أسواق استثمارية أخرى مثل العقار والصناعة وغيرهما، إلا أنه يعتقد أن كل هذه المفسرات لا تبدو منطقية؛ فالتفسبر الوحيد المنطقي أنه مسار هابط ومستمر. ومن يرغب في تفسير منطقي فليدلنا على تفسير للهبوط المتواصل منذ مارس من العام الماضي. نفس الأسباب التي أدت إلى الهبوط في الماضي هي التي تقود الهبوط في الحاضر... فقط القاع الذي يتحرك منه المؤشر الآن هو المختلف كثيراً عن كل الانخفاضات على مدى العام الماضي.
تراجعات المؤشر اليوم أهم من تراجعات العام الماضي!!
إجمالاً بانخفاض هذا الأسبوع يكون هذا المسار قد أفقد السوق نسبة 66% أي تسبب في خسارة السوق نحو ثلثي قيمته. البعض يتحدث عن هذين الثلثين كما لو كانا مجرد أوراق نقدية خسرها السوق، ولكنها للأسف هي سيولة وأصول وأملاك وعقارات ما يزيد على مليونين من المستثمرين في السوق؛ لذلك، فإن الثلث المتبقي يمثل أهمية كبرى لكل مستثمر دخل هذا السوق قبل مارس من العام الماضي ولم يخرج منه حتى الآن؛ فكل نقطة يخسرها المؤشر الآن تكتسب أهمية خاصة؛ لأنها تحدد مقدار الانخفاض، ليس في أصول هؤلاء الأفراد، ولكن في مقدرتهم الشرائية.
يوم الاثنين الماضي.. واختبار القوة المالية للشركات
تعتبر التصعيدات السياسية الشديدة من أكثر العوامل التي تختبر قوة وتماسك المراكز المالية للشركات. وبالفعل يعتبر الأسبوع الماضي، خصوصاً يوم الاثنين، من أيام الاختبار الحقيقي للشركات في السوق المحلي؛ فقد تخلخلت واهتزت كل الأسهم، ولكن تأثير هذا التخلخل جاء متفاوتاً بالشكل الذي يوضح مدى قوة المراكز المالية للشركات؛ فقد تراجعت كل الأسهم، ولكن بنسب متباينة، حيث تراجعت أسعار نحو 16 شركة بنسب تزيد على 7% في مقابل 31 شركة تراجعت بنسبة ما بين 3.5 و7%. أما الأمر اللافت للنظر فهو وجود نحو 19 شركة تماسكت في وجه التوتر، لدرجة أن خسائرها لم تتجاوز نحو 1.8%. ولعل معظم هذه الشركات تنتمي للبنوك والأسمنت. إن أزمة الاثنين الماضي كشفت جانبين، أولاً تلك الشركات التي لا تزال تعتريها فقاعات، حيث خسرت بنسب مرتفعة. وثانياً تلك الشركات ذات الأداء الماضي الضعيف التي هرول المتداولون للتخلص منها.
الشركات الأكثر عرضة للهبوط
من اللافت للنظر أن كل الشركات التي أدرجت في التداول مؤخراً جاءت خسائرها خلال يوم الاثنين الماضي مرتفعة، حيث خسرت العبد اللطيف 4.1% والفخارية 9.6% والحكير 6.2% وملاذ 3.2% وميد غلف 5.7%.
الاكتتابات المنتهية والحالية والمستقبلية
انتهى اكتتاب ضخم هو اكتتاب كيان الذي طرح 675 مليون سهم، وجار حالياً الاكتتاب في جبل عمر في نحو 201 مليون سهم، وأعلن مؤخراً عن طرح الشركة الدولية للمواصلات نحو 5.5 مليون سهم. وقد شكل الأول ضغطاً على السوق، والثاني يمكن أن يكون أيضاً قد ضغط بعض الوقت على المؤشر، إلا أن المستقبل يحمل في طياته المزيد من هذه الضغوط؛ فها هي المملكة في انتظار ركوب القطار، ووراءها الإنماء، وربما الأهلي، وربما مصافي أرامكو وغيرها، ثم قد يتطرق الأمر إلى المدن الاقتصادية الجديدة ثلاثتها، ويستمر الطرح حيث من الواضح أن هيئة السوق تتخذ لنفسها هدفاً تسابق الزمان لإحرازه.. ربما هدف زيادة عدد شركات السوق إلى 200 شركة، ولكن إلى متى تستطيع السيولة المحلية تغطية كل هذه الأطروحات بدون عجز أو اختلال في معادلة السيولة المتداولة في السوق حالياً.
سيولة الأفراد.. بين خسائر السوق وأرباح الاكتتابات
إن معادلة السيولة النقدية في أيدي الأفراد المتداولين في سوق الأسهم أصبحت من أصعب المعادلات التي يمكن أن تواجه أي اقتصادي؛ فكل فرد منذ فبراير الماضي تتأثر سيولته النقدية بخمسة عوامل رئيسية:
1- خسائر متجددة من المسار الهابط المستمر منذ 26 فبراير 2006م.
2- أرباح المضاربة.
3- أرباح الاكتتابات من آن لآخر.
4- نفقات معيشة متزايدة كما هو الحال في كل دول المنطقة.
5- تدفقات سيولة جديدة من الاقتراض البنكي ذي التسهيلات المتسعة.
لسوء الحظ أن كل الدلائل تشير إلى أن الحصيلة النهائية هي مزيد من الضغوط على المقدرة المالية للفرد نتيجة حصيلة خسارة صافية، إلا أن الأمر لا يقف عند حدود إحراز الفرد مجرد خسارة بنسبة معينة، ولكن يمتد إلى تزايد هذه الخسارة بوتيرة ليست صغيرة، بل تتصف بسمة الاستمرارية. إن أي فرد إن خسر نصف ماله في صفقة معينة، فإنه سيتعامل مع الأمر بعد انتهاء الصفقة على وضع أنه خاسر، وسيبدأ يعيد تنظيم أوراقه لكي يكون مستقبله أفضل من ماضيه، إلا أن هؤلاء المتداولين في السوق منذ 15 شهراً تقريباً، وهم يعيدون تنظيم أوراقهم من آن لآخر تحسباً لأن يكون هذا التنظيم آخر طريقهم للخسائر، ولكن في كل مرة يتكرر هذا التنظيم، وأن الطريق لا يزال يحوي المزيد من الخسائر. وهنا ينبغي التفكير: هل السيولة النقدية المتاحة في السوق لا تزال كافية لاستيعاب الاكتتابات الجديدة أم أن هناك حاجة الآن إلى فتح السوق لمزيد من المستثمرين؟ ألا يمكن انتقاء شرائح إضافية من المستثمرين الأجانب؟ ألا يمكن البحث عن وسائل جديدة لتخفيف الضغط على المؤشر نتيجة استخدام السيولة في الاكتتابات؟
تأكد احتياطيات المملكة النفطية... محفز قوي
تم الإعلان عن تقرير دولي صادر عن شركة النفط البريطانية (بريتش بتروليوم) يؤكد استمرارية زيادة احتياطيات السعودية من النفط والغاز. وصدر هذا التقرير ليدحض كل مزاعم بعض الدول التي تشكك في مصداقية هذه النسب المعلنة عن معدلات الزيادة في حقول النفط السعودية وإنتاجيتها والاحتياطيات المتبقية بها. وأكد التقرير أن احتياطيات النفط السعودية المؤكدة بلغت في نهاية عام 2006 نحو 264.3 مليار برميل، بشكل جعلها تصل إلى نحو 21.9% من إجمالي الاحتياطيات العالمية. هذا التقرير يعلن عن خبر يفترض أن يؤثر في مستقبل الإيرادات الحكومية كافة؛ وبالتالي يفترض أن يكون له تأثير واضح في الحالة النفسية للشركات، ومن ثم الأسهم السعودية. ولو صدر مثل هذا التقرير في أي دولة أخرى لربما شهد سوقها المالي طفرة سعرية جديدة، ولكن كأن أحداً لم يسمع به في السوق المحلي؛ فهل اعتاد السوق الاستجابة للأخبار السيئة فقط؛ ليتخذ لنفسه مساراً هابطاً؟ إن الاقتصاد الوطني ينمو ويتطور كل يوم، وكل يوم لديه محفز قوي ربما لم يشهده من قبل، ولكن سوق الأسهم لا يزال بعيداً ومصراً على النزول.
مفاهيم استثمارية خاطئة في السوق
هل المضاربة في الشركات الاستثمارية الرابحة تعتبر استثماراً؟ بالطبع لا تعتبر استثماراً، بل هي مضاربة، والسوق الآن لا يشجع على المضاربة في الشركات الرابحة، فما بالنا بالخاسرة؟ لأن خسائر المسار الهابط في الغالب تفوق أرباح المضاربة على المدى المتوسط. وينطبق ذلك على عموم المضاربين باستثناء فئات صغيرة جداً قادرة على التحايل أو استخدام أساليب معينة تتمكن من خلالها من التأثير في اتجاهات وتحركات أسهم معينة؛ وبالتالي تكون أرباحها المضاربية أعلى من خسائر المسار الهابط؛ أي أنه من الخطأ القول إن من يضارب في شركة استثمارية أصبح مستثمراً، بل هو مضارب، سواء في شركات خاسرة أو رابحة. إن الاستثمار المجدي الوحيد بالسوق الآن هو انتقاء شركات استثمارية رابحة والاستثمار فيها على مدى ما بين المتوسط إلى البعيد. ولكن ينبغي أولا توقع معدلات الهبوط في أسعار هذه الشركات وحساب معدلات عوائدها وأرباحها الموزعة للتيقن من حجم العائد الصافي بها خلال الفترة المحددة للاستثمار. وهذا الاستثمار لا يتطلب متابعة شاشة التداول.
ثانيا: يثار التساؤل كثيرا حول: هل معنى أنه طالما أن السهم يتداول بسعر ما بين 10 و20 ريالاً فإنه قد انتهى تصحيحه أو أن سعره عادل؟ هذا الافتراض خاطئ وبعيد عن الدقة؛ فلا علاقة بين مستوى السعر الظاهري وسعره العادل؛ فقد يكون سعر السهم أقل من 15 ريالاً، ولكنه متضخم. والسعر العادل يحسب بمعادلة خاصة.. وربما بعض الشركات قد يتطلب أن يصبح سعرها أقل من عشرة ريالات لكي يصبح عادلاً.
د. حسن الشقطي -محلل اقتصادي ومالي
Hassan14369@hotmail.com