Al Jazirah NewsPaper Monday  11/06/2007 G Issue 12674
محليــات
الأثنين 25 جمادى الأول 1428   العدد  12674
دفق قلم
بلاء النظرة الضيِّقة
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

مشكل كثير من الناس أنهم ينظرون إلى الحياة بمنظارٍ أسود، ومن خلال ثُقْب إبرةٍ لا ترى العين من خلاله إلا جزءاً ضئيلاً لا يكاد يذكر من حقائق الأمور، وهذا الصنف من الناس هو الذي يغرق في شبر ماء - كما يقولون - فما تكاد تعرض له مشكلة صغيرة حتى يتخبَّط فيها خبط عشواء ويصبح بوقاً لنزغات الشيطان وهوى النفس الأمَّارة بالسوء، وما يكاد يرى خطأ من أحد حتى يتوقف عنده معرضاً عن كل حسنةٍ قدَّمها ذلك المخطئ، ولربما أطاع شيطانه وهواه فحكم على أسرة المخطئ وجماعته وقبيلته وكلِّ من لهم به علاقة قوية من الأصدقاء والزملاء بأنهم منحرفون غير صالحين. وما يكاد يرى نفسه في مأزقٍ حتى يتخيَّل الدنيا كلَّها في مأزقه هو ويحكم على المجتمع بالفساد لأنه لم ينظر إلى معاناته ولم يلتفت إلى مأزقه. ومشكلة أصحاب النظرة الضيقة هؤلاء، أنهم يعمِّمون الأحكام، وينحدرون في لغتهم ومواقفهم إلى الحضيض، ويضخِّمون الأخطاء وينصرفون كلِّيةً عن التفكير في العلاج والتصويب والتصحيح، وربما دفعهم ذلك المنظار الأسود الضيِّق إلى ارتكاب أخطاء شنيعة تفوق بمئات المرات الأخطاء التي يضخِّمونها.وإن دعاة الانحراف الخلقي والفكري والعقدي ليجدون مطلبهم في هؤلاء الذين يعانون من النظرة الضيِّقة إلى الأمور والمواقف والأشخاص، لأن أذهانهم مهيَّأةٌ تماماً للانسياق وراء فكرة صغيرة تظل تتضخم في نفوسهم حتى تصبح شيئاً عظيماً، وهذا الصنف من الناس هو الذي يستغله الشيطان - نعوذ بالله منه - بالوسوسة حتى يصل به إلى عظائم الأمور وكبائر الذنوب.

ما من قاتل يقدم على القتل في موقف خلافٍ أو شجار إلا وهو يعترف بعد ارتكاب الجريمة أن الأمر قد تضخَّم في نفسه حتى أصبح لا يرى حلاً له غير ارتكاب جريمته، وبعد ارتكاب جريمته، تسكن نفسه، فيرى الأمر على غير ما كان يراه، بل يراه أهون آلاف المرَّات مما ارتكب، فيكون ندمه هنا طاحناً، ولكنَّه بعد فوات الأوان.ويندرج تحت هذا الصنف البشري كل من يرتكبون جرائم القتل والسرقة، والاغتصاب، والتفجير، وكل من يتبعون أساليب التفسيق والتكفير والتهويل.

وفي حياة الناس العامة معاناة حقيقية من داء (النظرة الضيِّقة) التي تجعل الإنسان لا يرى أبعد من أرْنبة أنفه) ولا يفهم معنى النظرة الشمولية القائمة على الاستيعاب الواعي لما يجري في هذه الحياة. ولعل كثيراً من مظاهر الخلاف بين الناس وقطيعة الرحم، والجفاء بين الأحباب، والطلاق بين الأزواج إنما ينشأ بسبب ضيق الأفق، والنظرة الضيقة المحدودة، والزاوية الحادة التي يحشر فيها الإنسان نفسه بطوعه واختياره.

إن في منهج الإسلام وتعاليم شرعه، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومواقف أهل العلم والفضل والصلاح عبر الأزمنة المختلفة ما يمكن أن يكون نبراساً لأصحاب النظرة الضيقة من البشر.إن الأمر يحتاج إلى خروج من مستنقع وسوسة الشيطان والنفس الأمَّارة بالسوء والانطلاق في ميادين الحكمة والرُّشد وسلامة الصدر وصلاح النيَّة.

إشارة:

إنَّ العالم الواحد أشدُّ على الشيطان من مائة عابد

www.awfaz.com

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5886 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد