جميلٌ أن يتفكَّر الشباب في أمر واقعهم..، وأن يتدارسوا أيَّ السبل المنجية من كثيرٍ يقابلونه في حياتهم ليس في نتائجه ما يفيد...
والأجمل أنَّهم ينهجون في مفرق الطرق ذلك السبيل الأسلم وإن كان أصعب، لنهاية هي الأجمل وإن كانت محفوفة بالكبد والنَّصب...
تلك خلاصة لمحاور حوار استمعت إليه بين ثلاث شابَّات في حجرة انتظار داخل مصحَّة كبيرة، يتسلين به.. مبعدات تفكيرهن في (المريض) الثَّمين الذي خلف باب تلك الحجرة التي مُنع الدخول إليها ريثما بصيص من الأمل لأن تنفذ إحدانا إلى داخلها لتقف رجفات القلوب الهلعة على (الغالي) الذي بين أيدي الأطباء هناك...
كان محور حديثهن المنطلق هو أنَّ زمنهن أكثر سعة وقدرة لمنجزات أكثر تنوعاً وإفادة، ومع ذلك فإنَّ هناك خسائر فادحة من راحة البال، واطمئنان النفس، بل توفر الصّحة، وفرص العبادة، والحصانة الروحية، والنفسية...
وكنتُ أصغي إليهن، لكنّني أتفكر فيما يقلن حين انبرت إحداهن لأمَّها تقول: (إنَّ زمنكم يا أمي كان أفضل زمن، أتعرفين لماذا؟) ثمَّ أردفت: (لأنَّ من سبقكم عاشوا الجهل والفقر والتقوقع، ثم جئتم أنتم فدخل التعليم في حياتكم فنهلتم وبقيتم محفوظين من كل الذي فتحت أبوابه في وقتنا..، أنتم مع التعلم والوعي على قيمكم وسلوككم الجماعي العام داخل مجتمع يحافظ على التوازن بين ما كان عليه آباؤكم وأمهاتكم، وبين ما أنتم عليه، بعيداً عمَّا نحن عليه، نحن الذين فقدنا أكثر مما استفدنا) سألتها أمَّها: (ما الذي فقدتموه؟)، قالت: انظري أمي إلى وقتنا، كم نحن متناقضين، بين أغذية لا تمدنا بصحة جيدة بل تسبب لنا أمراضاً عجيبة مستجدة، وإلى كل ما نسمع ونرى ونلبس ونتلقى،... كله يفقدنا ما كنتم عليه من الحفاظ على صحة نفوسكم وعقولكم بل أجسادكم... نحن مساكين والله مساكين)... قالت أمها: صدقت بنيتي... في زمننا لم نأكل من الشارع، ولم تكن هناك عوادم العربات، ولا مخلفات النفايات بالكميات ولا المكونات التي هي الآن...، ولم نكن نشاهد هذا الانحلال العام الذي خلع رداء الحياء عن العيون والآذان...).
راق لي كما هي عادتي حين لا أجد في نفسي رغبة في خوض نقاش له في خاطري تأمل.. أن أنقل إليكم هذا الحوار...
إنَّه على قدر واقعيته إلاَّ أنَّه مؤشر وعي.. وربَّما منطلق لأن يُدرك أبناء هذا الوقت أنَّ عليهم التفكر وهم في مفترق طريقين إلى أيهما ينهجون...!
ثمَّة درب وسط... لكنَّه صعب المسلك، شحيح الإمداد... قاسي التربة، يحتاج إلى نفوس قوية، وعزائم شديدة كي يصمَّ الأذن، ويغض البصر ويُلجم الرَّغبات..، وينتقي بحذر، ويأخذ بوعي... فينجو بصحته الروحية، والعقلية، والنفسية بل الوجدانية... لأنَّه في النهاية درب النجاة.