Al Jazirah NewsPaper Wednesday  06/06/2007 G Issue 12669
الرأي
الاربعاء 20 جمادى الأول 1428   العدد  12669

دراسة نقدية..قراءة في شعر الجواهري
سلوى أبو مدين

* محمد مهدي الجواهري:

عندما أتحدث عن هذا الشاعر الفحل فإن الكلمات تهرب مني إذ لا يقل أهمية عن شعراء العصور الماضية مثل أبي العلاء، وحافظ إبراهيم في مصر وبدوي الجبل وعمر أبو ريشة في الشام، وغيرهم من الشعراء الذين ظلت أعمالهم شواهد هذا اليوم.

وإن الخوض في شاعر كبير مثل الجواهري يتطلب دقة ودراسة وإتقانا، وكذلك اهتماما لنقف على شعره، وكي نعطي شاعرنا حقه من التقويم.

فالجواهري من الشعراء الذين شاركوا في مؤتمر - بلونيا - عام 1984م ويعتبر العربي الوحيد المنتدب الذي اختير عضواً في حركة السلم العالمي.

يقول المؤلف سليم طه التكريني الذي عكف علىدراسة شاملة مقننة وافية على حياة الجواهري، وجمعه في كتاب بلغت صفحاته بين المائة والست ليكون مرجعاً للدارس والقارئ.

كما يشير سليم أن الجواهري.. وقف في بلد الجمال والنور باريس وغرد فيها تلك المدينة التي استحوذت على إعجابه.

يقول:

كأن طيوف الخطايا تتوه

مدى، ثم تحتضن الأعينا

كأنك يا باريس أم الدنى

بكل الغموض، بكل السنا

إلى أن قال:

ممسح خدا بخد يذوب

من الحب في وجنتيه ندوب

ولاح كما لاح فوق السهوب

رؤى شفق من الوجوه الشحوب

* لقاء العملاقين:

هاهو الجواهري يلتقي بطه حسن عام 1950م إذ دعُي الجواهري لحضورمؤتمر لجامعة الدول العربية في الإسكندرية وألقى عندها قصيدته (على الشعر المصري) هاجم فيها حكومة العراق، وعندما أكمل إنشاء قصيدته - أثنى عليه الدكتور طه حسين وكان يومها وزيراً للمعارف، وقد أعجب بما ألقاه الجواهري من شعر، وأعلن تكفل الحكومة المصرية بالإنفاق على أبناء الشاعر وهم أميرة، وفرات، وفلاح. وكان مطلع ما كتبه:

يا مصر تستبق الدهور وتعثر

والنيل يزخر، والمسلة تفخر

مدة وعاد الجواهري إلى بغداد وحصل على امتياز جريدته وكانت تسمى (الرأي العام)

ولكنه لم يبق طويلاً في بغداد، إذ عاد مجدداً لمصر بعد أن قامت الوزارة الجديدة التي تربصت له بالمرصاد عندما صدح بقصيدته (تنويمة الجياع) قال:

تنامي جياع الشعب نامي

حرستك آلهة الطعام

نامي فإن لم تشبعي

من يقظة، فمن المنام

غادر بغداد حيث ودع والدته في نجف فأنشد فيها (قفص العظام) التي نشرت عام 1951م في صحيفة دمشقية تسمى - النصير -.

* في ذاك الحين كانت المقاومة الشعبية تكافح الاستعمار فنظم قصيدة قال فيها:

خلي الدم الغالي يسيل

إن المسيل هو القتيل

مدي بهامك فالجهاد

لديه من هام تلول

متراكمات، لا تبالي الدهر

يقصر أو يطول

من هنا فجر يطل

ومن هنا ليل يزول

لعل الجواهري يطمح بآمال عريضة من الشهرة والمجد حينَ اتخذ من مصر مدينة له، ولكن سرعان ما عاد خاوي الوفاض ونظم قصيدة غاضبة وأكتفي ببيتين منهما:

ما انفك يا مصر والإذلال تعويد

يسومك الخسف كافور وإخشيد

مقالة كبرت، والحب شافعا

حسب المسودين لو شاؤوا لما سيدوا

* حياته

تزوج الشاعر بفتاة ريفية، لكنه تركها بعد التجائه للشام واشتغل بالزراعة وانشغل عن الشعر فنظم قصيدة بعنوان يا أم عوف عام 1950م

* شعره

يعد الجواهري الصوت المجلجل للعراق، وهو من كبار شعراء القرن العشرين فهو شاعر مطبوع، فقد شغلته الأحداث التي عاشها، وكذا الصراعات والشجون التي ألمت به.

وإن كنا سلمنا بأن الجواهري صوت مجلجل وهذا لا يمنع بأن يكون هناك أبيات مهزوزة من شعره وضعيفة وسأورد تلك الأبيات، وليس الهدف التقليل من شأن شاعرنا وإنما الأمانة التي تقتضي أن تقال في شعره.

واقرأ:

أقسم بالكافور لا

اقصد شتم العنبر

لأنت فوق البشر

فوق القضاء والقدر

لقد تطاول الشاعر في هذا البيت والعياذ بالله، وهذا ينقل إلينا عبث الباطل يقسم بغير الله خالقه وموجده، وهذا نوع من التجاوز الذي يؤدي إلى الشرك والعياذ بالله.

وهنا أورد هذين البيتين:

لقد أخبروني أن في الشروق (وحدة)

كنائسه تدعو فتبكي الجوامع

وكان ينبغي ألا يسوق مثل هذا البيت لأن بيوت الله جعلت للعبادة ويؤذن فيها، ويرفع فيها اسم الله سبحانه وتعالى.

رغم جمال شعر الجواهري الذي يحمل قصائد جيادا إلا أن الأمر لا يخلو من أبيات ضعيفة، ولعل الدارس أو القارئ يستطيع أن ينقب عنها بنفسه.

وهذه القصيدة مليئة بالركاكة وكأنها نثر بما حوته من تراكيب وكلمات: فيقول في قصيدة (بورسعيد):

كنانة الله سيجلو عاصف

ويمحي ضر ويثني واغل

كنانة الله اسلمي لأمة

أنت لها الغاية والوسائل

ففي البيت الثاني افتقدت الشعر طابع الذوق وتعبير الحس فغدت كلماته وتراكيبه غير مصقولة.

واقرأ هنا بتعجب فيما ساقه الشاعر في البيت من قول:

فتعلمين أن الزمان إذا انتحى

شهب السماء كانت مداس خيوله

لقد أهان الجواهري شهب السماء والتي قال فيها سبحانه وتعالى: (ولقد زينا سماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين).

ولعلي أورد عجز البيت الثاني ليكمل الصورة ليس أكثر فهذا عبث بل بهتان وأين أدب الخطاب في الشعر؟

وأورد المزيد من العبث الذي وقع فيه الشاعر في قصيدة (دجلة الخير)

يا دجلة الخير كان الشعر مذ رسمت

كف الطبيعة لوحا (سفر تكوين)

مزمار داوود من نبوته

فحوى وأبلغ منها في المضامين

لو كان الشاعر حياً لقلت له: إن الطبيعة لا ترسم شيئاً ولن ترسم، بل هو صنع الله سبحانه وتعالى.

وفي صدر البيت الثاني يقول:

مزامير داوود اقوى من نبوته

أليس هذا عبثاً بل سفسطة فيه هراء وابتعاد عن الإسلام.

وما أورده القرآن الكريم في شعراء لهو الحق حيث وصفهم بأنهم (يقولون مالا يفعلون)

ولعلي وقفت على بعض ما جاء من شعر الجواهري وأترك المجال لمن يعنى بدراسة النقد أكثر مني.

ولكن ما أوردته من قصائد وصور أردت أن أظهر مكمن الضعف فيها، ومهما يكن فإننا نخطئ ونصيب شأن البشر. وكما أوردت سابقاً يستطيع القارئ المتمعن في الشعر أن يكتشف ويطالع ما أخفق فيه شاعرنا الكبير.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد