منذ سنوات كان العملاق الياباني يصول بمنتجاته في الشرق والغرب، وكانت للمنتجات اليابانية علامة تجارية مميَّزة تجبر الجميع على احترامها والبحث عنها في كل مكان مهما كانت التكلفة، وفي أسواقنا الخليجية كانت المنتجات اليابانية تتبختر تيهاً وفخراً على أرفف المحلات. ولكن دوام الحال من المحال، ظهر المارد الصيني بقوة على الساحة، وبدأت الأسواق في منطقة الشرق الأوسط وكأنها لا تبيع سوى المنتجات الصينية، حتى إن الكثير من الحكومات بدأت تستشعر بوجود موجات صينية متلاحقة تغرق الأسواق العربية بكمّ كبير من المنتجات، وعندما تدخل أيّ منزل عربي الآن ستجد منتجات الصين متناثرة في كافة جنبات البيت؛ ملابس، أجهزة كهربائية، ساعات، منبهات، قداحات، لعب أطفال، مفروشات، أدوات منزلية.. إلخ.
وفي المملكة على سبيل المثال أشارت الدراسات إلى أن واردات المملكة من الصين زادت بنسب مرتفعة؛ حيث ارتفعت من 4.5 مليارات في عام 2000م إلى 11.1 مليار ريال في عام 2004م، ووصلت إلى أكثر من 15 مليار ريال مع نهاية عام 2005م. مما بدا معه أن العملاق الياباني يواجه مأزقاً حقيقياً، وبعد أن كان اليابانيون يلقنون العالم دروساً متواصلة في الإنتاج والتسويق، بدوا كأنهم يتلقون دروساً قاسية الآن من المارد الصيني.
كانت اليابان لسنوات طويلة تقدم لعملائها منتجات مرتفعة الجودة ذات علامات تجارية مميزة وبأسعار مرتفعة بعض الشيء، فحتى وقت قصير لم تكن الشركات اليابانية تهتم بوضع حلول أكثر فاعلية لمعادلة السعر والجودة، فقد اهتمت الشركات اليابانية بشكل أكبر بالتركيز على الأسواق التي لا يركز عليها الآخرون، وتتشارك الحكومات مع الشركات في اكتشاف الفرص التسويقية والأسواق غير المشبعة، واهتمت الشركات اليابانية كذلك بالتحسين والتطوير المستمر لمنتجاتها. في هذه المرحلة لم تكن الصين قادرة سوى على تقديم منتجات رخيصة الثمن، ولكنها في ذات الوقت منخفضة الجودة، ومن ثَمَّ لم يكن هناك مجال للمقارنة، حتى إن الناس كانوا يتندَّرون بسوء جودة المنتجات الصينية ويعتبرونها من الدرجة الثانية أو الثالثة.
ولكن قرَّرت الصين أن تلعب مع الكبار في كل شيء، بدأت تركز بشكل كبير على تطوير أساليب التصنيع والإنتاج لتقدم منتجات ذات جودة مرتفعة، وساعدها امتلاك عامل كثافة الأيدي العاملة وتطبيق أنظمة الإنتاج بالحجم الكبير في احتفاظها بالقدرة على تقليل تكاليف الإنتاج، ومن ثَمَّ تقديم أسعار خارج المنافسة لمنتجاتها. وقد ركزت الشركات الصينية في معرفة احتياجات المستهلكين في كافة الأسواق التي تستهدفها، وكان من المثير للدهشة أن تقدم الشركات الصينية للأسواق سجادة الصلاة والهاتف الإسلامي والجلباب العربي.. إلخ. ولم تَسْعَ الشركات الصينية إلى فتح فروع لشركاتها في الأسواق التي تستهدفها، ولكن بقليل من المجهود تستطيع أن تتعامل مع مستوردين يصلون بمنتجاتها إلى أقصى مكان في العالم. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تسعى الصين بقوة الآن إلى الاستحواذ على حصة سوقية مميزة في أسواق السيارات؛ حيث جذبت الصين العديد من الشركات الأجنبية للعمل بنظام الاستثمارات الصيني الأجنبي المشترك، ومن ثَمَّ إنتاج سيارات ذات جودة مرتفعة وبأسعار ملائمة تتناسب مع القدرات الشرائية لكثير من الفئات. وفي عام 1998م أُدرجت الصين ضمن أكبر عشر دول لإنتاج السيارات في العالم، وفي عام 2003م أصبحت رابع أكبر دولة منتجة للسيارات في العالم بحجم إنتاج تجاوز أربعة ملايين سيارة سنوياً، منها أكثر من مليون سيارة ركاب. وعلى الرغم من أن الماكينات الصينية تدور بقوة والمسوِّق الصيني لا يهدأ فإن اليابانيين لن يستسلموا بالتأكيد ولديهم الكثير ليقدموه في هذا العالم.