قبل أيام معدودات، تلقى السعوديون بشرى أخرى من بشائر الخير المتوالية التي يبادر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، إذ وجه - حفظه الله - بالعفو عن السجناء المعسرين، الذين أعجزهم الإعسار عن إبراء ذممهم من ديون خاصة، واستثنى العفو الملكي الكريم من ترتبت عليه الديون نتيجة جرائم اقترفها، والذي يتبين أنه مقتدر لكنه يماطل في تسديد ما عليه من حقوق مادية. ووستجابة لهذه المبادرة الإنسانية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين يدشن صندوق المئوية حملته التعريفية
بمناشطه وخدماته لنزلاء السجون في مناطق المملكة المختلفة ابتداء من يوم الثلاثاء 28- 4- 1428هـ الموافق 15-4-2007م. ويأتي ذلك ضمن أهداف الصندوق تجاه المجتمع في محاولة منه للسعي إلى القضاء على البطالة وكل ما يؤدي إليها.
واستهل الأستاذ هشام طاشكندي المدير العام للصندوق هذه الحملة بإلقاء أول محاضرة تعريفية للسجناء في منطقة جازان لشرح الفرص التي يتيحها الصندوق أمام السجناء لتمكينهم من الحصول على مشاريع تجارية تساعدهم في العودة إلى مجتمعهم عودة كريمة كمواطنين منتجين، وهو ما يحرص عليه ولاة الأمر، ويمثل واحداً من أبرز أهداف صندوق المئوية.
وكان صندوق المئوية قد وقَّع اتفاقية تفاهم وتعاون مع اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم تقضي بقيام الصندوق بتخصيص ما لا يقل عن 10% من جميع القروض التي يقدمها سنوياً للسجناء والسجينات المفرج عنهم أو أسرهم وذلك في جميع أنحاء المملكة، كما يعطي الصندوق الأفضلية المطلقة للسجناء المفرج عنهم وعائلاتهم في الاستفادة من خدمات الصندوق حسب الإمكانات المتاحة، إضافة إلى قيامه بترتيب لقاءات تعريفية شهرية بغرض تعريف السجناء بخدمات الصندوق وأهدافه.
في البدء، ينبغي أن نقرأ الحدث الكبير ومواكبة صندوق المئوية للمبادرة النبيلة، قراءة موضوعية تبين أبعاد القرار الكريم، ومدى نجاح الصندوق في استثمار أجوائه الطيبة لمصلحة المجتمع، في إطار المهمات الأساسية لصندوق المئوية.
فالملك الحكيم ينطلق من نظر بعيد وقلب رحب، تأسيساً على مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، الذي يعلي من شأن الرحمة والتعاطف، وجبر العثرات، ومؤازرة المحتاج. وإلى ذلك يؤمن (أبو متعب) أن السجن هو الاستثناء، وأنه يجب أن يكون مدرسة للإصلاح وليس مقراً لشقاء السجين وتحويله إلى إنسان ناقم على مجتمعه - لا قدر الله - ومن هنا كان ذلكم التمييز الحصيف بين معسر أخطأ في حساباته، أو واجه ظرفاً قاهراً قعد به عن واجب السداد، وآخر ميسور أو غني يريد أكل أموال الناس بالباطل، أو من نتج إعساره عن جناية أو تحايل مقصود.. فشتان بين مخطئ ومجرم.
لقد ذاق المخطئ بعضاً من مرارة فقد حريته ليتعلم درساً مفيداً فلا يكرر غلطته مجدداً، ثم جاءت المبادرة الإنسانية الراقية لتجود عليه بفرصة براءة ذمته من الديون، وعودته إلى حياته الاجتماعية الطبيعية.
وكم كان صندوق المئوية موفقاً في متابعته المبادرة السامية بروح إيجابية، فالمعسر الذي أنقذته شهامة طويل العمر، يجد لدى الصندوق تتمة عملية للحرية التي استعادها، بأن يحظى بقرض حسن يتيح له أن يكسب قوته وقوت عياله بجهده، بل إنه يمنحه القدرة على تطوير نفسه لكي يشغل الآخرين لديه! كل ذلك لكيلا يعود إلى أسر الديون التي هي هموم في الليل وذل في النهار، أو يجد نفسه عاطلاً عن الكسب بسبب سجنه، أو عدم حصوله على عمل ملائم.
وبذلك يحقق الصندوق رسالته الاجتماعية، وتصبح الكرة في مرمى السجناء المفرج عنهم، ليثبتوا أن ما وقعوا فيه من قبل كان زلة عفوية عابرة. لكن الكرة الأكبر يقذفها صندوق المئوية في مرمى بنوكنا ومؤسساتنا الخاصة العملاقة ورجال المال والأعمال، تذكيراً لهم بمسؤوليتهم الأخلاقية تجاه مجتمعهم، وأكثر هؤلاء مقصرون بالمقاييس الشرعية والوطنية بل والإنسانية. ونحن لا نذكرهم بما كان يفعله الأغنياء من المسلمين في تاريخنا المشرف، فذاك مما يعلمونه مثلنا وربما أكثر، لكننا ندعوهم إلى التأمل في ما يقدمه رجال المال والأعمال في الدول المتقدمة إلى مجتمعهم من دعم سخي في مجالات التعليم والصحة والبحث العلمي وأعمال البر.. وما (بيل جيتس) سوى عنوان يستحق التأمل!
alakil@hotmail.com