قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالوهاب سعيد أبو داهش في محاضرة بعنوان توظيف الفوائض الماليه بنادي أبها الأدبي إان المملكة شهدت نمواً كبيراً في إجمالي الناتج المحلي، ونمواً أكبر في أصولها الاستثمارية. فإجمالي الناتج المحلي الاسمي تضاعف تقريباً من 707 مليارات ريال في عام 2000، ليصل إلى 1.3 تريليون ريال سعودي في عام 2006. وارتفعت أصول مؤسسة النقد من 198 مليار ريال في 2002 لتصل إلى 907 مليارات في نهاية فبراير 2007، وبنسبة نمو تقترب من 400%.
وأضاف عندما كنا نتحدث في 2002 أننا سنشهد نمواً اقتصادياً قوياً، وطفرة اقتصادية غير مسبوقة، كان البعض يرى أننا متفائلون أكثر مما يجب. فالاقتصاد العالمي كان يخرج من نفق الركود الذي حدث في 2001، وأسعار النفط آخذة في الارتفاع، لكنه ارتفاع مشوب بالحذر. وكانت الحكومة السعودية تتبع سياسة متحفظة تجاه ارتفاع أسعار النفط والنمو الاقتصادي العالمي المتسارع، خصوصاً وأن أجواء منطقة الخليج كانت ملبدة بالغيوم جراء العزم الأمريكي على غزو العراق. وبعد انقشاع الغيوم، واتضاح الرؤية، وتجاوز أسعار النفط لمتوسط 40 دولاراً للبرميل في سنة 2004، بدأت الحكومة اتخاذ خطوات متسارعة لتنفيذ مشاريع الإصلاح الاقتصادي. فالتقديرات الأولية كانت تشير إلى استثمارات بأكثر من 2 تريليون ريال للعشرين سنة المقبلة وذلك لإجراء إصلاح اقتصادي كامل بدءاً من تطوير البنية التحتية، ومروراً بالتشريعات والأنظمة التي تؤازر المناخ الاستثماري، وانتهاء بالمشاريع العملاقة التي تهدف إلى نقل المملكة إلى دولة صناعية وخدمية لتتبوأ مقعداً متقدماً في الاقتصاد العالمي. وبعد مرور أربع سنوات، اقتنع الكثير بأن النظرة التفاؤلية قد تطول إلى أربع سنوات أخرى، وأن التقديرات الأولية التي تتحدث عن 2 تريليون ريال قد تتجاوز تلك الأرقام بكثير. فالمدن الاقتصادية التي تركز على أنشطة اقتصادية تستند إلى الميز النسبية لكل منطقة تعتبر خطوة مهمة في تنمية مدن الأطراف، وفي تنويع مداخل النمو الاقتصادي لكل منطقة في طريقها للاعتماد الذاتي على مصادرها، وفي تقليل الاعتماد على الحكومة. وهذه المدن الاقتصادية وحدها قد تتطلب استثمارات تفوق 500 مليار ريال وفي هذا الإطار، فإن مدينة الرياض - أم المدن الاقتصادية - شهدت وحدها مؤخراً تدشين خادم الحرمين الشريفين لمشاريع كبيرة وباستثمارات تصل إلى 120 مليار ريال. وإذا أضيفت تلك الاستثمارات إلى الاستثمارات التي من المتوقع أن تضخ للمدن الاقتصادية خلال السنوات العشر المقبلة، إضافة إلى الاستمارات الأخرى التي سيضخها القطاع الخاص في آلاف الفرص الاستثمارية الأخرى في المملكة، فإن أرقام هذه الاستثمارات ستكون أكبر بكثير مما يتوقعه المتابعون.
وأبان أبو داهش أن تلك الأرقام الاستثمارية مهما بلغت، فإنه يمكن تمويلها عند النظر فقط إلى الاحتياطات الكبيرة التي يشهدها القطاع البنكي في المملكة. فمؤسسة النقد، كما ذكرنا، تتمتع باحتياطات أجنبية كبيرة تتجاوز احتياطات البنوك السعودية الأحد عشر مجتمعة، التي وصلت إلى 877 مليار ريال لنفس الفترة، بعدما كانت نحو 508 مليارات ريال في 2002 ومن المتوقع أن تحافظ المملكة على هذا الزخم القوي من النمو، خصوصاً بعد أن تأقلم المجتمع العالمي مع أسعار النفط الحالية، حيث من المتوقع أن تستمرفي مستويات قوية لسنوات قادمة. من هنا، فإن هناك وسادة قوية يتكئ عليها نمو الاقتصاد المحلي، ويقلل من مخاوف أية مخاطر محتملة، ويعزز دور صانع القرار في الاستمرار باتخاذ القرارات التنموية والاقتصادية المحفزة للإصلاحات الاقتصادية. إذ لم يعد هاجس توفر رأس المال يؤرقنا، بقدر ما يسببه عدم قدرة الاقتصاد في امتصاص الاستثمارات الضخمة الحالية، مما يجعل تحقيق المنجز يتأخر لبعض الوقت لعدم توفر البنية التحتية والفوقية الملائمة لامتصاص هذا الحجم الكبير ضمن الاستثمارات الحكومية والخاصة. ولعل هذا السبب وحده يفسر النمو الكبير في احتياطات القطاع البنكي الذي يستثمر معظمة في أدوات مالية عالمية، وقد تكون بعائد منخفض. يضيف أبو داهش إن المتتبع لاستثمارات البنك المركزي (مؤسسة النقد) يجدها موزعة على النحو التالي (96.6 مليار ريال في عملات صعبة وذهب، و23.3 مليار ريال في أوراق نقد سعودية، و95.7 مليار ريال في ودائع في بنوك أجنبية، و665.2 مليار ريال في أوراق مالية وسندات خارجية، والمتبقي في استثمارات أخرى). وبدون شك، فإن حجم هذه الاستثمارات كبير جداً ،وقد تكون مستثمرة بشكل مقبول عند قياسها بالمخاطر، ومتطلبات احتياطات العملة، إلا أن تلك الاستثمارات قد تكون خارج اهتمامات البنك المركزي المتعارف عليها في معظم دول العالم. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، تعتبر وزارة الخزانة - وليس الاحتياطي الفدرالي المرادف للبنك المركزي - المسؤولة عن الاستثمار في الأدوات المالية كالسندات. وبالنسبة للاستثمارات الأخرى المباشرة أو الاستثمارات الفعلية في أنشطة الاقتصاد الأخرى، فإن صندوق الاستثمارات العامة في المملكة يتولى هذا الدور. وهو دور يختلف عن الاستثمار في أدوات الدين الذي تقوم به مؤسسة النقد. ولكن الملاحظ على صندوق الاستثمارات العامة هو في تركيزه على الاستثمار في الداخل حيث يمتلك نحو 45% من أسهم الشركات المدرجة في السوق المحلي، مما يسبب مزاحمة للقطاع الخاص والمستثمرين في سوق الأسهم المحلي. مما يجعلنا ندعو إلى توحيد الجهود الاستثمارية تحت مظلة موحدة في شكل هيئة استثمارات وطنية قادرة على إدارة الاستثمارات الحكومية بشكل أكثر فاعلية وكفاءة، بحيث تكون مستقلة، وتدار باحترافية عالية هدفها الأساسي الاستثمار في الداخل (بأدنى مستوى ممكن حتى لا تزاحم القطاع الخاص المحلي) وفي الخارج بنسبة استثمارات عالية هدفها تعظيم العائد بمخاطر مقبولة. ورغم أن هناك أمثلة دولية كثيرة، فإن ما يهمنا هنا هو في إنشاء هيئة استثمارية وطنية بهدف استثماري إستراتيجي واضح، يوائم بين الاستثمار في الداخل والخارج ويوزع الاستثمارات بشكل مقبول متخذاً من توزيع المخاطر وتعظيم العائد أساساً لسياسته الاستثمارية. وفي اعتقادي أن الوقت موائم في الوقت الحالي في ظل وجود فوائض مالية كبيرة، وفرص استثمارية كبيرة في الداخل والخارج، تحت نظام عالمي جديد هو منظمة التجارة العالمية، التي من المؤمل منها أن تقوم بحماية استثمارات الهيئات الحكومية بشفافية وعدالة أكبر، وألا تسمح بسيطرة السياسة على القرار الاستثماري والاقتصادي للحكومات، كما حدث لموانئ دبي في أمريكا.