ليس هنالك صراع أصعب على الإنسان من صراعه مع نفسه الأمّارة بالسوء، لأنه صراع من الداخل، يجري في الساحة الداخلية مباشرة، ولأن جبهاته متعددة، يحتاج الإنسان أن يقوِّي أدواته، ويجهِّز عُدَّتَه أحسن تجهيز لخوض تلك المعركة الصاخبة الصامتة داخل كيانه، ومشكلة (النفس الأمَّارة) أنها تستخدم أسلحة فعَّالة لها علاقة برغبات الإنسان وأهوائه ولذائذه الوقتية في الحياة، وهذا النوع من الأسلحة يحتاج إلى أسلحة مضادة قادرة على المواجهة القويّة التي تحقق النصر لعقل الإنسان وقلبه السليم، ونفسه المطمئنَّة.
|
أسلحة النفس الأمَّارة صناعة محلية خالصة، وهذا ما يجعلها خطيرة لأنها مصنوعة من مادّة مستمدة من داخل الإنسان، مناسبة لمواجهة حصون القلب وأسوار العقل وحواجز الضمير، ولهذا صارت المعركة صعبةً، وصار الصراع عنيفاً.
|
(إن النفس لأمَّارة بالسوء) وأمَّارة من صيغ المبالغة التي تدل على أن أمرها قويّ مباشر يدعو إلى التنفيذ الذي لا يقبل التأجيل، وهو بهذه الصفة قادر على هزّ قدرة النفس اللوَّامة - أحياناً - على إقناع العقل بعدم التنفيذ، وخطورة هذه النفس الأمَّارة بالسوء تتمثّل في شحن مشاعر الإنسان شحناً قوياً مبادراً مباشراً في اللحظات الحاسمة من الصراع مما يقلل من قدرة الأسلحة المضادة على المواجهة في تلك اللحظات الحاسمة.
|
ولعل ذلك هو الذي جعل سفيان الثوري يقول: ما عالجت شيئاً أشدَّ عليَّ من نفسي، مرَّةً لي ومرَّةً عليَّ، فهو هنا يتحدَّث عن صراع مع النفس تكون المعركة فيه سجالاً، مرَّةً له ومرَّةً عليه، هذا مع أنه معروف بورعه وزهده، وعلمه الغزير، ودرايته بالحديث النبوي الشريف فهو إمام المسلمين في الحديث، فكيف بالإنسان الذي تضعف عنده الأسلحة المضادّة التي تحقّق التوازن في المعركة.
|
ولربما كان كلام ابن القيم أوضح وأدق تحديداً لقضية الصراع مع النفس حينما قال: سبحان الله! في النفس (كِبرُ إبليس) وفيها (حسد قابيل) و(عُتوُّ عاد) و(طغيان ثمود) و(جرأة نمرود) و(استطالة فرعون) و(بغي قارون) و(قلّة حياء هامان)، فابن القيم هنا يحدّد أوصاف أسلحة النفس الأمّارة بالسوء بشيء من التدقيق المقرون بالأمثلة والأسماء التي كان أصحابها ضحيّة ذلك الصراع المحموم مع النفس بسبب استسلامهم للعدو الداخلي وعدم مقاومته لأنهم جنحوا إلى لذّة الحياة العابرة.
|
ولعل مالك بن دينار قد وضع ملامح لسلاح المواجهة الذي يحقق النصر - بإذن الله - في هذا الصراع الصاخب الصامت، حين قال: رحم الله عبداً، قال لنفسه: ألستِ صاحبة كذا وكذا، ثم ذمّها على أفعالها القبيحة ثم خطمها بخطام العقل ثم ألزمها كتاب الله تعالى فكان لها قائداً.
|
إن المواجهة الحقيقية التي يتحقق بها النصر - بإذن الله - لا تتحقق إلا بالأسلحة المضادّة القادرة على ردع تلك الأسلحة المدمّرة التي تستخدمها النفس الأمّارة، فسلاح الكبر لا يواجهه إلا سلاح التواضع، والحسد تواجهه القناعة، والعتوُّ يواجهه الرِّفق، والطغيان يواجهه العدل والإنصاف، وكل ذلك محتاج إلى الإيمان الصادق بالله عز وجل إيماناً يقوى على تزويد أسلحة الدّفاع بالمادة التي تجعلها قويّة مؤثّرة، لأن من آمن بالله صادقاً محتسباً يملك قوة روحيّة هائلة لمواجهة النفس الأمّارة بالسوء التي تحظى بدعم غير محدود من الشيطان الرجيم الذي يجري من ابن آدم مجرى الدّم.
|
|
إيهِ يا نفس قد لَهَوتِ كثيراً |
آنَ أنْ تطلبي الهدى والرشاد! |
|
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5886» ثم أرسلها إلى الكود 82244
|
www.awfaz.com |
|