أكدت دراسة صدرت حديثاً عن غرفة الرياض أن الاقتصاد الوطني حقق معدلات أداء جيدة في العديد من القطاعات في مطلع الألفية الثالثة من أبرزها تحقيقه تحسنا في أداء الميزانية العامة للدولة، وتحسنا في المؤشرات النقدية وفي ميزان المدفوعات، كما حقق طفرة في حجم ونوعية الاستثمارات الأجنبية في المملكة، بينما رصدت الدراسة بعض التطورات السلبية التي واجهت الأداء الاقتصادي خلال الفترة نفسها التي اتخذت فيها الدولة سلسلة من الإجراءات والسياسات لمعالجتها.
وأوضحت الدراسة التي أعدها مركز الاستثمار بالغرفة حول الملامح الرئيسية لتطور الاقتصاد الوطني خلال الأعوام الخمسة الأولى من العقد الأول من الألفية الثالثة (2000 إلى 2005م) تحت عنوان (تقويم أداء الاقتصاد السعودي في مطلع الألفية الثالثة) أن الاقتصاد الوطني حقق تحسناً في أداء الميزانية العامة للدولة تمثل في تزايد الفائض الكلي للميزانية بنحو خمسة أضعاف من 22.7 مليار ريال عام 2000م إلى 107.1 مليار ريال عام 2004م بمعدل نمو سنوي في المتوسط يبلغ 47.3% .
أداء الميزانية
وأضافت الدراسة أن التحسن في أداء الميزانية العامة برز كذلك في التزايد المستمر في نصيب المصروفات الرأسمالية من 7.8% عام 2000 إلى 13.2% عام 2004م، في خطوة لترشيد الإنفاق الحكومي بزيادة التركيز على الإنفاق الموجه لدعم الهياكل الإنتاجية للمؤسسات الحكومية، وفيما يتعلق بتحسن المؤشرات النقدية أظهرت الدراسة ملامحها في زيادة الثقة في الريال السعودي كمخزن للقيمة، حيث ارتفعت الودائع بالعملة المحلية بهيكل إجمالي الودائع من 81.4% عام 2000 إلى 84.6% عام 2004 مقابل انخفاض نسبة الودائع بالعملة الأجنبية، فضلا عن تزايد الميل إلى توظيف المدخرات الوطنية داخل البلاد، ودعم القطاع الخاص بزيادة حجم ونسبة القروض المخصصة له باعتباره الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية. كما رصدت الدراسة تحسنا في تعاملات ميزان المدفوعات الجاري، برز في تضاعف فائض ميزان المدفوعات الجاري نحو أربع مرات فيما بين عامي 2000، 2004، من 53.7 مليار ريال إلى 193.1 مليار ريال، اعتمد بصفة أساسية على زيادة فائض الميزان التجاري بمعدل نمو 14.4% سنوياً في المتوسط، واستمدت الزيادة النسبية للصادرات السلعية في إجمالي الإيرادات بصفة أساسية من زيادة المساهمة النسبية للصادرات غير البترولية، والناتجة عن زيادة المقدرة التصديرية للناتج السلعي غير البترولي (صناعي وزراعي وتعدين غير بترولي) من 24.3% عام 2000 إلى 42.4% عام 2004 . وأكدت الدراسة أن الاستثمار الأجنبي حقق طفرة في نوعية وحجم الاستثمارات، حيث بلغ عدد مشروعات الاستثمار الأجنبي المرخصة خلال الفترة من 2001- 2005 (أي منذ إنشاء الهيئة العامة للاستثمار) 3272 مشروعا بلغت رؤوس أموالها 275 مليار ريال، نفذ منها 1898 مشروعا باستثمارات 57 مليار ريال، ومن ثم بلغت نسبة التنفيذ خلال نفس الفترة نحو 58% من إجمالي المشروعات، 21% من الاستثمارات.
المناخ الاستثماري
ولفتت الدراسة إلى أن المناخ الاستثماري بالمملكة اتسم بمميزات عدة، داعية إلى التركيز عليها في منظومة خطة الترويج لجذب الاستثمارات الأجنبية، من أهم هذه المميزات ما أبرزته دراسة مقارنة سبق أن أعدتها غرفة الرياض وأوضحت أن الشريك الوطني السعودي هو أفضل الشركاء الوطنيين بدول الخليج للمستثمر الأجنبي، كما أظهرت تفوق نتائج أعمال مشروعات عينة المستثمرين الأجانب بالسعودية على نتائج أعمال المشروعات المناظرة بدول الخليج. وأخيراً سجلت الدراسة في الجوانب الإيجابية انخفاض عبء الإعالة على المشتغلين، وهو ما يعكسه انخفاض معدل عدد من يعولهم كل ألف مشتغل بمعدل 1.7% سنوياً في المتوسط.
أما عن الجوانب السلبية التي سجلتها الدراسة فتمثلت في انخفاض قدرة الناتج المحلي الإجمالي على توفير الموارد الاقتصادية من 80% عام 2000 إلى 79% عام 2005م، مقابل زيادة الاعتماد على الواردات في توفير إجمالي الموارد من 20% إلى 21% فيما بين العامين على الترتيب، كما سجلت الدراسة تراجع إسهام الناتج غير النفطي في توليد الناتج المحلي الإجمالي من 61.9% إلى 51.3% فيما بين العامين على الترتيب، وهو ما تحقق أيضاً على المستوى التفصيلي لمختلف قطاعات الإنتاج السلعي والخدمي غير النفطية.
القطاع الخاص
كما انخفضت مساهمة ناتج القطاع الخاص في توليد الناتج المحلي الإجمالي من 37.5% عام 2000 إلى 29.9% عام 2005، وتناقص نصيب إجمالي التكوين الرأسمالي الثابت من إجمالي الاستخدامات من 14% عام 2000م إلى 12% عام 2005، ونسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي من 17.5% إلى 15% فيما بين العامين ليخفق في تحقيق التطور المنشود بخطة التنمية الخمسية الثامنة التي استهدفت رفع النسبة بنهاية الخطة إلى 27.5%.
ورصدت دراسة غرفة الرياض تزايدا في أعداد العاطلين ومعدلات البطالة بين السعوديين من 239.9 ألف عاطل عام 2000 إلى 304.1 ألف عاطل عام 2002 بمعدل زيادة 12.6% سنوياً في المتوسط ومن ثم زادت نسبة البطالة بقوة العمل السعودية من 8.15% إلى 9.66% بين العامين المذكورين، وأيضا زاد نصيب بطالة السعوديين من إجمالي البطالة من 87.7% إلى 92.5% على الترتيب، على الرغم من جهود الدولة في توطين الوظائف التي رفعت نسبة العمالة السعودية بسوق العمل ككل من 39.7% إلى 42.7% على الترتيب.
وسجلت الدراسة تراجع متوسط استهلاك الفرد على الرغم من زيادة متوسط دخله، حيث أظهرت مؤشرات مستوى المعيشة انه على الرغم من زيادة متوسط دخل الفرد بمعدل نمو 4.7% سنوياً في المتوسط من 34.5 ألف ريال عام 2000 إلى 41.4 ألف ريال عام 2004، إلا أن متوسط نصيب الفرد من الاستهلاك النهائي الخاص لم يزد بل تراجع من 12.6 ألف ريال إلى 12.4 ألف ريال وبنسبة 0.5% سنوياً في المتوسط. ورأت الدراسة أن هذا الانخفاض يشير إلى زيادة درجة تركز الدخل لدى الفئات ذات الدخل المرتفع أصلا التي تتسم بانخفاض المعامل الحدي للاستهلاك وارتفاع المعامل الحدي للادخار بمعنى أن أي زيادة في الدخل لا تؤدي إلى زيادة استهلاكها وإنما زيادة في ادخارها.
ووجدت الدراسة أن استمرار هذه الظاهرة سيترتب عليه ركود اقتصادي فضلا عن الحاجة إلى اتخاذ التدابير اللازمة لإعادة توزيع الدخل لصالح الفئات الفقيرة، وهو ما بادرت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتبنيه ودعم ركائزه بالفعل من خلال عدة قنوات كان من أهمها ما تضمنته ميزانية الدولة لعام 1428هـ من بنود ومشروعات لصالح تلك الفئات.
الضغوط التضخمية
ومن الجوانب السلبية التي رصدتها الدراسة كذلك زيادة الضغوط التضخمية، حيث أظهر تحليل المعايير الرئيسية لقياس معدلات التضخم تزايد الضغوط التضخمية بالاقتصاد السعودي، واعتمدت الدراسة في هذا الصدد على معايير فائض الطلب، وفائض المعروض النقدي، ومعامل الاستقرار النقدي، فضلا عن الرقم القياسي لأسعار الجملة.
ومن الجوانب المهمة التي ركزت عليها الدراسة أن الصعوبات التي تواجه القدرة التنافسية للبيئة الاستثمارية، التي كان من أهمها تميز التشريعات المنظمة للاستثمار الأجنبي في بعض الدول العربية مقارنة بالتشريعات السعودية المناظرة في عدد من المجالات من أهمها الضرائب، والضمانات، والتسهيلات، وقائمة الأنشطة المستثناة، واستشهدت الدراسة بقوة المنافسة في دول الإمارات ومصر والسودان بسبب الموقع واتساع السوق والضمانات القانونية والتسهيلات الإجرائية.
وأرجعت الدراسة أبرز أسباب أحجام بعض المستثمرين الأجانب عن الاستثمار في السعودية - من وجهة نظرهم - إلى عدم ملاءمة وقصور بعض النظم والإجراءات وانخفاض فرص الربحية، وقصور المعلومات.
وخلصت الدراسة في نظرتها التحليلية لتلك النتائج الإيجابية والسلبية، إلى طرح مجموعة من الاقتراحات الرامية إلى زيادة تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني وتطوير آلياته للتكيف مع المتغيرات الاقتصادية المحلية والعالمية، التي تستهدف استثمار الطفرة التي ينعم بها اقتصادنا الوطني في المرحلة الحالية، من خلال استثمار فائض الميزانية لصالح الأجيال القادمة، حيث أوصت بضرورة توجيه نسبة مهمة من فوائض الدخل المحققة نتيجة التطورات في حجم إنتاج وأسعار النفط لصالح الأجيال القادمة، وهو ما بدأته الدولة بالفعل من خلال مبادرة سداد فواتير الدين العام المحلي حتى التي لم يستحق أجلها بعد.
المنتجات الوطنية
كما أوصت الدراسة برفع قدرة المنتجات الوطنية (غير النفطية) على التصدير والإحلال محل الواردات، من خلال ثمانية مقومات رئيسية حددتها الدراسة، كان منها إقامة هيئة لتنمية وتطوير الصادرات السعودية التي صدر مؤخراً قرار مجلس الوزراء بإنشائها كهيئة حكومية مستقلة باسم (هيئة تنمية الصادرات السعودية)، والتوسع في حجم ونوعية برامج الدعم المادي والفني للمصدرين، وإقامة المناطق الحرة خاصة الصناعية منها.
وفيما يتعلق بتطوير المناخ الاستثماري دعت الدراسة إلى الاهتمام بمواصلة تطوير السياسات والنظم وتبسيط الإجراءات أمام المستثمر الأجنبي، وتطوير استراتيجية وآليات الترويج لمزايا الاستثمار بالمملكة، وتحسين كفاءة المعلومات، وتطوير المميزات التنافسية للاستثمار الأجنبي خاصة فيما يتعلق بالضرائب والقائمة المستثناة، كما دعت الدراسة إلى تبني استراتيجية وطنية لتنمية الموارد البشرية تعتمد بصفة أساسية على الربط بين مخرجات العملية التعليمية والتدريبية وبين احتياجات سوق العمل. وتضمنت الدراسة مجموعة من المقومات الأخرى كان أهمها تفعيل مقومات دعم المنشآت الصغيرة والمستثمرين الناشئين، وتعزيز دور القطاع الخاص في قيادة التنمية الاقتصادية، وتحسين مستويات المعيشة والسيطرة على معدلات التضخم، واقترحت الدراسة الآليات والإجراءات اللازمة لتحقيق كل منها.