هل تعاني قطاعاتنا الصناعية من الازدواجية، أو التقليد على سبيل المثال؟ ربما، على أساس أن الإبداع الإنتاجي المتخصص ما زال يعاني من تشتت الرؤى، ونوعية الأهداف المأمول تحقيقها خلال السنوات القادمة. وكثير من المشروعات التجارية، والصناعات، والفرص المتاحة التي تبحث عمن يقتنصها ويحولها إلى واقع ملموس ما زالت تدور في فلك الفرص غير المستغلة، ولا يحتاج المرء إلى كثير وقت حتى يكتشف احتياجات السوق الضرورية، والتي تعاني من شح كبير في مصادر إنتاجها المحلي.
يمكن للمختص، أو حتى الإنسان العادي، أن يتتبع السلع المعروضة لمعرفة مصادرها، أو إن كان لها بديل محلي يمكن أن يلبي احتياجات المواطنين الضرورية، ودراسة السلع والخدمات وتتبع مصادرها يمكن أن تكشف لنا عن الفرص الإنتاجية المتاحة التي يدفع البعض مقابل الحصول على معلومات عنها، ملايين الدولارات. هذا فيما يتعلق بالسلع والخدمات التي لا ترقى إلى مستوى التخصص العالمي بقدر ما هي جزء من عمليات الإنتاج المتطابقة في جميع أقطاع العالم. أما على مستوى السلع والمواد الاستراتيجية المؤثرة في اقتصاديات العالم ذات العمليات الإنتاجية المعقدة، والتي تؤثر تأثيراً مباشراً في عمليات الإنتاج العالمية المتخصصة فهي أكثر تعقيداً من أن تصبح متاحة للمستثمرين التقليديين، على أساس أنها تعتمد في مُدخلاتها ومُخرجاتها على سياسات الدولة الحاضنة وبعض القيود الدولية؛ أي أننا نتحدث عن مجموعة من القيود السيادية، والسياسية، والتمويلية، والاقتصادية المؤثرة في عمليات الإنتاج. ومن المعروف أن مدينة الجبيل الصناعية قد أنشئت بقرار سياسي اقتصادي حكيم سعت المملكة من خلاله إلى استغلال الغاز المصاحب لعمليات إنتاج النفط وتحويله إلى مواد أولية بدلاً من حرقه في الهواء، ثم تطورت الفكرة حتى أصبحت مدينة الجبيل الصناعية إحدى كبريات المدن الصناعية في العالم.
وبعد أن تشبعت الجبيل 1 بالمصانع العملاقة، والصناعات البتروكيماوية، بدأت الدولة - رعاها الله - في إنشاء المرحلة الثانية، وهي ما أطلق عليها مشروع الجبيل 2 الذي - حسب معلوماتي الضيقة - قد تم تخصيص غالبية أراضيه للمشروعات الصناعية الضخمة. تجربة مدينة الجبيل الصناعية الناجحة انتقلت إلى (رأس الزور) وهي المنطقة الساحلية غير المأهولة الواقعة إلى الشمال من مدينة الجبيل الصناعية.
وكثير من المشروعات الصناعية الحيوية ربما يبدأ تنفيذها خلال الأشهر القادمة يأتي على رأسها مشروع تحلية المياه وتوليد الطاقة الكهربائية. وأكثر ما يشغل بال الاستراتيجيين السعوديين، وعلى رأسهم سمو الأمير الأمير سعود بن عبدالله بن ثنيان آل سعود رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع، هو ازدواجية المشروعات الحيوية بين الجبيل الصناعية ومنطقة رأس الزور الصناعية. نحن نتحدث عن مشروعات حيوية عملاقة يمكن أن تدخل ضمن الاستراتيجية الصناعية المحلية التي يفترض فيها التكامل لا التنافس والازدواج.
هناك الكثير من الصناعات الحيوية التي تحتاج إليها المملكة من مبدأ دعم قاعدة الإنتاج المحلي، وتنويع مصادر الدخل، ومواجهة الاحتياجات الداخلية؛ ما يجعلنا أكثر تفاؤلاً بنجاح منطقة رأس الزور الصناعية في حالة تنسيق المشروعات الصناعية بين المنطقتين على أسس من التكامل. يفترض أن تستفيد منطقة رأس الزور من المواد الأولية المنتجة في مصانع الجبيل الصناعية كي نضمن تحقيق الدورة الكاملة للمواد الأولية حتى نحصل على المنتج النهائي دون الحاجة إلى الاستيراد، وضمان دورة التصنيع محلياً كفيل بتحقيق النجاح الباهر للصناعة السعودية. كل ما نتمناه أن تبدأ منطقة الزور الصناعية على أسس سليمة من التكامل الصناعي والخدمي مع مدينة الجبيل الصناعية، وأن يبحث القائمون عليها عن الصناعات الاستراتيجية الضرورية التي يمكن أن تدعم اقتصادنا الوطني بصورة متنامية وخلاقة في آن واحد. وإضافة إلى ذلك نأمل أن تستفيد منطقة الزور الصناعية من خبرة الهيئة الملكية للجبيل وينبع في تنمية المناطق الحضرية، وبناء المجمعات السكنية، والمعاهد والكليات الصناعية في المنطقة الشمالية التي تلي منطقة الزور بحيث تتحول إلى مدينة صناعية أخرى تتكامل في خدماتها الشاملة مع مدينة الجبيل الصناعية. التكامل يضمن - بإذن الله - النجاح للمدينتين والقوة لاقتصادنا الوطني.
f.albuainain@hotmail.com