بنك الإنماء.. تمويل البناء العقاري ودعم المشروعات الصناعية الصغيرة
لا يمكن أن يضيف بنك الإنماء شيئاً جديداً للمجتمع إذا ما بدأ في ممارسة نفس الدور التقليدي الذي تمارسه البنوك المحلية المصرح لها بالعمل في سوق المال السعودية. من وجهة نظري الخاصة، أعتقد أن فكرة بنك الإنماء قد ظهرت للعلن ضمن إجراءات إصلاحية وظروف استثنائية خاصة بتوصية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي أصر على فتح أبواب الاستثمارات الضخمة أمام المواطنين، فكانت البداية لسلسلة طويلة من فرص الاستثمار المتتالية التي ما زالت تُطرح تباعاً في السوق السعودية.
مجموعة من القرارات الإصلاحية والاستثمارية التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ أزمة انهيار سوق الأسهم العام الماضي، وجميعها كانت تهدف إلى التخفيف من أثار الانهيار العظيم. قرارات اقتصادية عظيمة مُزِجت بروحٍ إنسانية عطرة آلمها المُصاب، فاجتهدت لمد يد العون والمساعدة للتخفيف من مُصاب المواطنين والمواطنات. وطالما أننا نتحدث في عملية إنشاء بنك الإنماء عن القرارات الاستثنائية، وإنسانية الملك فمن المفترض أن نربط مخرجات هذا القرار بقاعدته الإنسانية الكريمة كي نحقق أمنيات المليك ونترجم تطلعاته إلى واقع محسوس، من خلال دفع فكرة إنشاء بنك الإنماء إلى آفاق أرحب من الاستثمار الإنساني والتنمية الاجتماعية الشاملة. دون أدنى شك كانت الفكرة الأساسية لإنشاء بنك الإنماء تتمحور حول إيجاد فرصة استثمارية من الدرجة الأولى يمكن أن يستغلها المواطنون لتحقيق أرباح مجزية ولتنمية استثماراتهم البسيطة. تقسيم الحصص بين المؤسسين والمكتتبين على أساس 30 و70 في المائة على التوالي، وتقسيم حصص المؤسسين بالتساوي بين صندوق الاستثمارات العامة، المؤسسة العامة للتقاعد، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، كانت تشير بوضوح إلى هدف المشروع الاستثماري التنموي.
اليوم يمكن أن يتطور هذا المشروع الاستثماري المالي إلى أكبر مشروع تنموي خاص يحقق أهدافه الأساسية، وأهدافاً اجتماعيةً وتنمويةً عظيمةً... ترى كيف يمكن للبنوك أن تحقق أهدافها الربحية وتنمية المجتمع في آن واحد؟ بالرجوع إلى الفروقات الجوهرية في فلسفة الأعمال المصرفية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية والأعمال المصرفية التقليدية نجد أن العمل المصرفي الإسلامي يقوم على فلسفة التنمية الاجتماعية على أساس أن تعامل البنوك الإسلامية الأساسي يتم عن طريق السلع، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تنمية الإنتاج وزيادة دورانه ورفع معدلات النمو. أما الأعمال المصرفية التقليدية فتقوم في الأساس على فكرة الفوائد الربوية التي تبنى على رأس المال العامل، أو ما يمكن أن نطلق عليه (المتاجرة في الأموال) وإن وُجِهَت لشراء السلع والخدمات.
على هذا الأساس يمكن لبنك الإنماء أن يحمل رسالة التنمية الاجتماعية وأن يطبقها على أسس استثمارية حديثة يضمن من خلالها تحقيق الربح لمساهميه، والمساهمة الفاعلة في تنمية المجتمع. تخصص نشاط مصرف الإنماء في قطاعات محددة كالعقار والمشروعات الصناعية الصغيرة كفيل بتحقيق أرباح مجزية وتنافسية لمساهميه، في الوقت الذي يدعم فيه عمليات التنمية الاجتماعية الشاملة. فيحقق بذلك مساهموه، وكل من شارك في إنشائه ودعمه، الحسنيين، زينة الدنيا، وحسن ثواب الآخرة.
السوق السعودية في حاجة ماسة لبناء المساكن ودعم المشروعات الصناعية الصغيرة التي تعتبر الداعم الأول لاقتصاديات الدول، فقد أثبتت الدراسات الميدانية ذات العلاقة بملكية المساكن أن ما يقرب من 25 في المائة من المواطنين السعوديين يمتلكون منازل خاصة، وأن 75 في المائة هم ممن لا يمتلكون منازل أو شققاً سكنيةً كما أن الدراسات أشارت أيضاً إلى أن 50 في المائة من المواطنين الذين لا يمتلكون منازلهم الخاصة قادرون على شرائها بمساعدة البنوك وسداد قيمها المالية من مرتباتهم الشهرية. أي أننا نتحدث عن فرص مهولة للتمويل العقاري الإسلامي في السوق السعودية، وهو ما أعنيه في حديثي عن تخصص النشاط وتنمية المجتمع. يمكن لمصرف الإنماء أن يتخصص في قطاع التمويل العقاري وتمويل المشروعات الصناعية الصغيرة وأن يتوسع في ذلك بعد توفير الخبرات والكفاءات البشرية القادرة على نقل التجارب الناجحة من الأسواق العالمية إلى السوق السعودية. تركيز مصرف الإنماء على قطاع التمويل العقاري، خصوصاً تمليك المنازل الخاصة، من خلال (عقود الإجارة، والاستصناع)، سيساعد كثيرا في تنمية المجتمع وحل مشكلة المنازل الأزلية التي يعاني منها المواطنون، وسيساعدهم في استثمار فوائض إيراداتهم المالية الشهرية، أو مدخراتهم البسيطة، في بناء مساكنهم الخاصة، وتحويل دفعات الإيجارات الشهرية إلى أقساط لتملك المنازل. أما تركيزه على قطاع المشروعات الصغيرة من خلال (عقود المشاركة) والعقود الإسلامية الأخرى، فهو كفيل بتحقيق الربح للبنك والعميل، والتنمية الاجتماعية في آن واحد.
أجزم بأن هدف المصارف الإسلامية الأساسي يفترض أن لا يبتعد كثيراً عن تحقيق الربح المشترك، وهو الربح الذي يكفل للمصرف موارد مالية وأرباحاً متناميةً، ويحقق للمجتمع وأفراده نمواً إنتاجياً لا يتوقف عند حد معين. هذه هي فلسفة الإسلام في الاستثمار والتمويل الإسلامي المبارك، أو ما يمكن أن نطلق عليه (روح التشريع). وطالما أن البنوك السعودية الموجودة حالياً، بما فيها المصارف الإسلامية، قد تمادت كثيراً في تمويلاتها الاستهلاكية، وركزت على الربحية المالية السريعة من خلال (عقود التورق) وأصبحت تطبق آلية متطلبات الشريعة على القروض، وتتجاهل روحها التكافلية الهادفة إلى تحقيق التنمية الإنتاجية، الكفاية، الاستقرار ورفعة الشعوب، فيفترض بنا أن نطالب بإعادة تشكيل تجربة المصارف الإسلامية كي تتطابق مع أهداف وتطلعات الشريعة الإسلامية السمحة، وأن نبدأ ببنك الإنماء، فيصبح بذلك الأمل الذي يمكن أن نضمن من خلاله، بتوفيق الله وبركته، دعم تنمية المجتمع وتحقيق هدف (منزل لكل أسرة، ومشروع صناعي لكل حرفي أو تاجر) بأسلوب استثماري منظم يمكن أن يحقق للبنك أرباحاً مهولةً أضخم من تلك التي تحققها البنوك التقليدية الحالية. وأعظم من ذلك الأجر والمثوبة من الله العلي القدير التي نرجو أن ينالها كل من أسهم في إنشاء وإنجاح (بنك الإنماء التنموي).
f.albuainain@hotmail.com