** يُعتبر الوهم من الحالات التخيلية.. وتثيره الظنون وتغذيه الوساوس، بينما على أرض الواقع ليس له من وجود إلا في تلك النفوس التي ضعف إيمانها فضعفت أمام تلك الأوهام.. والوهم في الرياضة اتخذ منحى خطيراً فهو نوع من أنواع السحر، والمعتقدون بالسحر في عالم كرة القدم أسموه (الدنبوشي) كتشفير للاسم أو هذا ما أعتقده.. وهذا العالم له شؤون وشجون.. وليس له من إيجابية إلا موقفه الطريف بالنسبة للأسوياء.. بينما يحمل وجهاً قاتماً وقذراً للذين يتعاطون دروب الشيطان والسحر وما أسموه (دنبوشي) ويكفيهم أن حياتهم كما نرى ضنك وهم وغم والعياذ بالله.. فما بالهم بالآخرة.
** ومن طرائف (الدنبوشي) وعلى هامش بطولة كأس الخليج (18) بالإمارات.. استضافت قناة الدوري والكأس سعادة الشيخ عيسى بن راشد الرياضي المخضرم الكبير، الذي حضر جميع دورات مجلس التعاون الخليجي، وهو شخصية محترمة ومرحة، وقد قال: إنه حدث في إحدى دورات الخليج وكان المنتخب العماني ضاغطاً على منتخبنا البحريني ولم نكن نتوقع ذلك، وقبل نهاية المباراة بدقائق قليلة قال لي الشيخ فهد الأحمد - رحمه الله -: اقلب (نعلك) وسترى، يقول الشيخ عيسى: قلبت النعل من باب المداعبة وإذا بهدف يُسجل للبحرين في المرمى العماني وكسبنا المباراة بذلك الهدف.
واستطرد قائلاً: كانت مباراتنا الثانية مع قطر فقال رئيس الوفد القطري: (والله يا شيخ عيسى لو قلبت نعلك (لأنطله) داخل الملعب ولتخرج من الملعب حافياً)، كل ذلك كان يتم من باب المداعبة والمزاح، لكن هناك من كان يعتقد في مثل هذه المسائل - غفر الله لنا ولهم -.
** محلياً.. هناك شريحة محدودة ممن هم في موقع المسؤولية في الأندية، أو قريبون منها يؤمنون إيماناً مطلقاً بتأثير السحر في نتائج مباريات كرة القدم.. فغداة المباريات المهمة أو قبلها بيوم أو يومين تمر شريحة معينة على التجار والوجهاء ليطلبوا (القطة) من أجل (دنبشة) مباراتهم مع الفريق (س)، ثم يجمعون أموالاً مهولة والله وحده يعلم أين تذهب، ولنفترض أن معظم المبلغ يُعطى للساحر ثم قد يفوز الفريق أو تأتي المباراة بنتيجة عكسية فيقولون انقلب السحر على الساحر لخطأ ما وقع من طرف المنفذين وغيرها من الأعذار التي تبرئ ساحة (الساحر).
** ذكر رجل رياضي كان نائباً لرئيس مجلس الإدارة في ناديه وهو من غير المقتنعين بمثل هذا الدجل الرخيص الذي يُمارس في بعض الأندية، أقول: ذكر ذلك الرجل أنهم طلبوا منه لأنه بعيد عن الشبهات أن يحمل حجراً كبيراً في حقيبة.. وفعلاً رضخ لمطالبهم وأدخل الشنطة التي بها الحجر للملعب وانتظروا النتيجة حسب إفادة الساحر، الذي قال لهم: إن الفريق الخصم سيسجل هدفاً واحداً في البداية ثم يسجل فريقكم ثلاثة أهداف في الشوط الثاني.
ويقول الرجل: ما هي إلا دقائق وسجل الفريق الخصم الهدف الأول وكدنا نطير من الفرح فنحن سوف نرد بالثلاثة، وأخذت أنظر لمسؤولي الفريق المنافس في المنصة، وأنا أضحك وأهز رأسي مع إيماءة تعني اصبروا قليلاً وسترون، لم أفق من المناظرات والمناكفات عن بعد إلا والفريق المنافس يسجل الهدف الثاني وانتهى الشوط الأول على هذه النتيجة، يقول: فرمقت من أعطاني الشنطة وكأني أقول له ما هذا؟! وكان يؤشر أن اصبر وسترى مفعول الحجر في الشوط الثاني.. وأتى الشوط الثاني وليته لم يأت.. فقد أضاف الفريق الخصم هدفاً ثالثاً في آخر دقائق المباراة، ويكمل فقمت وذهبت إليه وأعطيته الشنطة بما فيها وغادرت الملعب.
** أحدهم ذكر لي قبل أكثر من عشرين عاماً وبتحدٍ صارخ أن فريقه سينتصر بستة أهداف مقابل هدف واحد.. وفعلاً انتهت المباراة بهذه النتيجة.. فما تفسير ذلك؟!!.. أعتقد أنها أتت (معاه) هكذا كتوقع لا أكثر فاعتقادي (كذب المنجمون ولو صدقوا).
** هذا ولو لزم المرء التعامل مع تلك الفئة التي تؤمن بالدنبوشي والسحر والسحرة لدخل في متاهة متناهية حقيقية.. فلا صوت لديهم يعلو على صوت الدنبوشي، وليس هناك من سيرة غير سيرة الدنبوشي، فهو من جعل ذلك الفريق الخصم مجهداً وضعيفاً، وهو الذي جعل اللاعب (س) يسجل هدف الفوز.. وهكذا يستمرئون الأمر إلى الحد الذي يدخلهم في الشركيات والعياذ بالله.. وهم لا يتوانون عن مدح هذا (الشغيل) أي الساحر وتعديد مناقبه ومواهبه واستعراض إنجازاته ونسوا ما بذله اللاعبون والإداريون والجهاز الفني ونسبوا الفضل للمشعوذ في حالة صارخة من حالات الشرك والعياذ بالله.
** هناك من الإداريين من لا يتوانى في الجهر باستخدامه للأسحار عياناً بياناً ويجهرون بهذه المعصية والعياذ بالله.. فالجميع ما زال يذكر ذلك الإداري الذي يذهب قبل بدء مباريات فريقه إلى المرمى ويقذف بمسحوق في كلا المرميين ويظن أنه أتى بما لم يأت به الأوائل.. ولم يعلم ذلك المسكين أنه أصبح محل سخط واستحقار كل الوسط الرياضي عدا جمهور ناديه من العامة والمساكين.. والمجاهرة بالمعصية عواقبها وخيمة والله عز وجل يُمهل ولا يهمل.. وهناك من أمثال ذلك الإداري من يغادر دكة الاحتياط في حالة تأخر الفريق أثناء المباراة والدخول لغرف اللاعبين ثم يرجع موهماً الجميع أنه ذاهب لعمل شيء خارق، فكل الأمور بزعمه بيده ويد الساحر، فإذا تمكن فريقه من التسجيل بعد عودته فيقوم باستعراضات صبيانية أمام جمهور ناديه.. أما إذا حصلت الهزيمة فسيخمد إلى انتهاء المباراة وعندها تكون الأعذار جاهزة.
** مثل هذا الإداري يعتقد أنه سيفلت من عقاب الله.. ومن معرفة أكيدة أؤكد أنه تعالى يعاقب هؤلاء عاجلاً قبل الآجل.. ويقضون حياتهم في كدر وتوتر وارتكاب حماقات تتوالى عليهم إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
** في مثل تلك البيئة القذرة والمنتنة المذكورة أعلاه تنتقل تلك (الثقافة المشوهة) للاعبين خصوصاً من محدودي الفكر والثقافة.. فهناك أيضاً لاعبون يستخدمون السحر لضمان (الخانة).. بزعم أن اللاعب الذي يستخدم السحر يضمن مركزه في الفريق، وكل لاعب يقترب من (خانته) فإنه يُصاب أو ينخفض مستواه، بل إن هناك من اللاعبين من يأخذ تلك الأعمال الشيطانية لكي لا يحصل على البطاقة الحمراء ويطرد من الملعب ثم يلعب (ماخذ) راحته يظن أن السحر سيحفظه من عقوبات الحكام النظامية.
** أيضاً هناك ادعاءات بأن اللاعب الذي يترك النادي ويذهب لفريق منافس سوف يسحرونه ويدنبشونه ويجعلونه يعيش في رعب حقيقي، ولا أود أن أورد حالات معينة حتى لا ينحى مقالي هذا لتوجيه التهمة لأحد، وأنا هنا أعمم قدر الإمكان!!
** هذا ولقد خرجت من هذه الحياة الطويلة في الأندية والملاعب بأن السحر له مساحة كبيرة في بعض أنديتنا.. وأحمد الله أنه محدود في أندية محدودة.. لذلك أوضح هنا شيئاً مؤكداً ولا يحتاج إلى تعليقي.. وهو أنه كلما زاد إيمان المرء بالله تعالى كلما ضعفت أمامه شياطين الجن والإنس وجنود إبليس أجمعين، وأجزم يقيناً أن السحر لا يضر الإنسان عميق الإيمان بالله تعالى.
** وأختم هنا بحالات التطير والتشاؤم، وكنت أذهب للملعب أتابع المباريات وحضرت يوماً متأخراً فشاهدت رجلاً أعرفه يقف في درج المنصة.. فلا هو الذي صعد ودخل المنصة (غير المقصورة) ولا هو الذي خرج ليذهب للمدرج أو ليخرج من الملعب ويرتاح.
سألته وألححت عليه في الإجابة، فقال: أخشى أن أصعد ومع دخولي يسجل الفريق الخصم هدفاً فينا فأعتبر وجه شؤم عند قومي وتضيع مكانتي لديهم، لذا أنتظر حتى تأتي ضربة ركنية على الخصم ثم أصعد وأدخل وكل الخطأ مني فلو أتيت (بدري) لما حصل لي هذا الموقف.
قلت له: هذا وهم ووسواس فلو دخلت فليس عليك من مأخذ وأعرض عن هذه النظرة الجاهلية، لكنه كان أذناً من طين وأذناً من عجين.. فقلت: سوف أدخل وإذا رأيت أن الوضع مطمئن وأن الهجمة على الفريق الخصم سأرمي لك منديلاً ناحية الدرج وإذا رأيته ادخل مسرعاً.. ولأنني أعرف أن لا أحد سيلومه أو يعتبره وجه (شؤم) وأن هذه الأفكار ليست موجودة إلا في مخيلة صديقي هذا.. فتريثت حتى أتت هجمة مركَّزة على فريق صديقي ورميت المنديل فدخل المسكين مسرعاً والكرة تكاد تدخل شباك فريقه، لكن الله ستر وطلعت الكرة - للآوت - بعد ارتطامها بالقائم.
فأخذ الرجل ينظر لي بحنق وغضب شديدين وقد تقطر العرق من وجهه وقام يمسح العرق من جبينه وأخذ يتمتم بكلمات غير مفهومة.. أما أنا فقد غشاني الضحك، لكنني كنت أحاول ألا يظهر عليَّ لكي لا ألفت نظر الآخرين لما حدث وحتى لا أستفزه أكثر مما هو فيه، ورغم أن الرجل صديقي فقد قاطعني أكثر من ثلاث سنوات وهو غاضب عليَّ وإلى الآن والثقة لديه معدومة بالعبد الفقير إلى الله رغم مرور أكثر من عشرين عاماً.
علماً بأن التطير والتشاؤم ليس لهما أي قواعد دينية أو علمية، لذا فهي محرمة شرعاً والمؤمن الصادق لا يتشاءم من شيء.. بل يتوكل على الله وهو حسبه.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك)، قالوا: يا رسول الله، ما كفارة ذلك؟ قال: (أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك).
نبضات!!
* النغمة التي بدأت تخرج متحشرجة ومشوهة ومشبوهة.. هي نغمة الاستعانة بالحكام العرب والآسيويين.. وهي نغمة نشاز يُراد منها خدمة فريق واحد لا يجيد لعب كرة القدم حسب قوانينها بل حسب قوانين خاصة به تسمح بالضرب والانبراش والركل واحتساب ضربات الجزاء له وغض النظر عن أخطائه.. لذا كل من يدعم هذا التوجه المشبوه فهو يعمل لمصالح خاصة بلا ريب في الوقت الذي لم يعد هناك شيء يتوارى في الخفاء!!
* أخشى أن أطالب بالكشف عن المنشطات في المباريات المحلية فأتعرض للتشكيك في صدق نواياي.. فعدوهم الأول الآن هو الحكم الأجنبي وهم جادون في وأده بمشاركة بعض الأطراف التي وضعت نفسها موضع (شبهة).. ثم يليه الكشف عن المنشطات، التي استطاع (اللوبي) وأدها سابقاً وأتحداهم بالمطالبة بالكشف عن المنشطات في كل مباريات فريقهم.. أتحدى!!
* حتى الأخطاء ذات المنحى الإنساني البحتة يحاولون استثمارها وكأنهم قد حصلوا على سبق صحفي نادر.. فعلاً كم هم مساكين!!
تنويه
اعتمدت في الكتابة عن الأستاذ محمد بن شاهين في الأسبوع الماضي على ما كتبه ابن مكة والأعرف بشعابها الزميل عوض رقعان.. وما كتبته كان من منطلق إنساني بحت.. ولقد علمت أن الأستاذ ابن شاهين قد انتقل قبل ذلك إلى رحمة الله.. وهنا نرفع أكف الضراعة لله تعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يدخله فسيح جناته.. وأتمنى على رئيس الوحدة جمال تونسي أن يتبنى مبادرة تكريم الرجل من خلال أبنائه وأهله، وأن تمد لهم يد العون والمساعدة وأن يضربوا لي معهم بسهم، كيف لا والوسط الرياضي السعودي يجب أن يكون متحاباً ومتراحماً.. والله من وراء القصد.
خاتمة
أسأل الله أن يمتعني دوماً بالصدق والحزم والفضيلة فهذه أمنية كل إنسان ينشد القيم والمثل العليا وينشد أن يكون إنساناً شريفاً!!
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«6891» ثم أرسلها إلى الكود 82244