تمر سوق الأسهم منذ أكثر من شهر تقريبا بموجة صاعدة فاجأت السوق بمتداوليها ومراقبيها، فلا أحد يعلم كيف وبم بدأت ؟ ولا إلى متى ستستمر ؟ أو إلى أين ستتوقف؟ فلا أحد يدري هل انتهى المسار الهابط أم أنها موجة صاعدة قصيرة أو متوسطة؟ ولكن على أية حال، فقد أعادت هذه الموجة الروح من جديد للسيولة المتداولة، حيث تزايدت تدريجيا حتى وصلت إلى ما يناهز 25 مليار ريال حتى في عز يوم جني أرباح السوق. أكثر من ذلك، فقد بدأت تترقب الأبصار مستويات سيولة أعلى، وهي بلا شك آتية لا محالة إن استمر المسار الصاعد. مع ذلك، فيثير البعض مخاوف من الآثار السلبية لاشتعال المضاربات على كثير من الأسهم الخاسرة، وبالتالي الخوف من عودة سيطرة كبار المضاربين على السوق مرة ثانية، وحمله إلى مستويات مبالغ فيها، ومن ثم الإجهاض مبكرا على المسار الصاعد.
بالتحديد، تثير هذه الموجة حالياً جدلا كبيرا حول هل لا يزال كبار المضاربين هم صناع السوق؟ أم أن صناع السوق قد تغيروا وأصبحوا أكثر انضباطا؟ ومن هم هؤلاء الصناع؟
ماهية صانع السوق
حسب تعريف Easy Forex، يعرف صانع السوق بأنه هو الطرف العكسي للمتداولين في السوق، وهو ليس وسيطاً أو وصياً، ولكنه ينجز سياسة للتحوط المالي لحركة التداول في السوق حسب سياسة معينة ينتهجها، تتضمن في الغالب السعي لموازنة مجمل تعاملات حركة التداول عن طريق توفير السيولة النقدية والأسهم كل ذلك حسب تقديراته، كما يعرفه آخرون بأنه هو شركة أو تاجر معين يقدم أسعاراً ومستعد للبيع أو الشراء بأسعار العرض والطلب الحالية، بالتحديد، يمثل صانع السوق تلك الجهة التي تسعى إلى تداول سهم أو أسهم معينة، بهدف ضبط إيقاع التداول على هذه الأسهم، والحفاظ عليها عند مستويات عادلة تحددها بناء على أسس التحليل الفني والأساسي، بمعنى أنها تدخل كبائع أو مشترى لهذه الأسهم في أوقات وجود ضغوط كبيرة على العرض أو الطلب. ويتكون ربح هذه الجهة من الفرق بين سعري البيع والشراء.
وفي كثير من الدول قد يتمثل صانع السوق في البنوك أو في شركات أخرى حاصلة على تصريح بذلك من الجهات المعنية بالسوق.
بدء رحلة صناعة السوق
في فبراير 2006
منذ فبراير 2006 ومع الوصول إلى 20635 نقطة ظهرت فجوة في السوق نتيجة غياب صناع السوق، وأصبح واضحا أن السوق بحاجة إلى صناع لضبط إيقاعه. هنا ومع بدء رحلة التصحيح، سعت هيئة السوق المالية للعب دور صانع سوق بالإدارة، حيث اعتمدت في صناعتها للسوق على القرارات والإجراءات الإدارية الجديدة مستهدفة السيطرة على حركة التداول وضبط إيقاع السوق. وكثيرا ما انفلتت من أيديها زمام الأمور نتيجة مواقف كبار المضاربين لإجراءاتها الجديدة، وبخاصة أنها بدأت تسحب من تحتهم بساط صناعة السوق الذي كان يدر عليهم أرباحا بمئات الملايين.
هل تلاشى الصناع القدامي؟
ومن هم الصناع الجدد؟
منذ بداية حركة التداول في السوق المحلية في التسعينيات، عُرف ثلاثة أصناف من الصناع يمكن تسميتهم بصناع السوق القدامى. يتمثلون في كبار المضاربين، والبنوك متمثلة في صناديق الأسهم، وشركات الأسهم التي كان مسموحا لها تداول أسهمها. إلا ان كل هؤلاء ما كان ليهتموا فعلا بصناعة السوق، فقط كانوا يركزون على جني الأرباح بما يخدم أنفسهم أو مؤسساتهم لدرجة أنهم تسببوا في صعود غير مبرر عند مستوى يزيد على 20 ألف نقطة لا يعبر عن واقع الشركات أو أسهمها. لذلك، فقد بدأت هيئة السوق المالية في مراجعة أدوار الصناع الثلاثة، وتمكنت بالفعل من القضاء عليها، فأوقفت دور الشركات في تداول أسهمها أو الاستثمار في السوق، كما نقلت مهمة الإشراف والرقابة على صناديق الاستثمار إلى حظيرتها. فضلا عن اتخاذها العديد من الإجراءات المشددة التي أوقفت أو على الأقل حدت من تلاعبات كبار المضاربين.
بالتحديد، لقد تغيرت خريطة صناع السوق، وأصبحوا مختلفين في الشكل والمضمون، ولكن لا يزال الصناع القدامى وحتى لحظة كتابة هذا التقرير يحاولون الاستحواذ ولو على بعض الدور في أرضية السوق ليتمكنوا به من إحراز نسب ربحية معقولة في نظرهم، فكيف وماذا يفعلون؟
في ضوء التطورات المثيرة في السوق خلال السنة الأخيرة، يمكن تصنيف صناع السوق الجدد المؤثرين فيما يلي:
1 - هيئة السوق المالية: كصانع إداري للسوق.
2 - كبار المضاربين.
إن السوق الآن لا يوجد بها سوى متباريين رئيسيين، هما هيئة السوق المالية، وكبار المضاربين، هيئة السوق المالية التي يتوقع أن تعلن في أي وقت عن تأسيس شركة أو صندوق صانع السوق، ولكنها تمتلك الآن القدرة على صناعة السوق إداريا. في المقابل، يوجد المتباري الثاني وهم كبار المضاربين، أولئك الذين تقلص دورهم من خلال تشديد الرقابة عليهم، ولكن لا يزال لديهم ورقة رابحة هي قيادة القطيع. فمن السهل من خلال شائعة أو قروبات أو افتعال أو استغلال أزمة افتعال استجابة غير حقيقية للسوق، ومن ثم قيادة وتوجيه القطيع في اتجاه معين يخدم مصالحهم.
من الفائز من صناع السوق؟
من الواضح أن هيئة السوق المالية قد نجحت بالفعل في ضبط إيقاع حركة التداول، وبخاصة خلال الشهور الأخيرة من خلال لعب دور صانع السوق الإداري عن طريق انتهاج سياسة تقنين وإصدار التشريعات وفرض الإجراءات المنظمة لكل الأمور والجوانب التي تمثل ثغرات في حركة التداول، ولا تزال حتى هذه اللحظة من حين لآخر تُغير وتبدل من نظمها وإجراءاتها للحد من أي تلاعبات أو ممارسات غير مقبولة أو تضر بأي طرف في السوق.
هذا ويمكن التدليل على الأدوار البارزة لكل من هذين الصانعين، بوضعية سهمي سابك والأسماك. فسابك يعد أحد أبرز الأمثلة مثله مثل عشرات الأسهم في السوق التي نالت حظها من الانضباط نتيجة القرارات والإجراءات التي اتخذها صانع السوق الإداري. في المقابل سهم الأسماك الذي لا يزال يعاني من سيطرة الاستحواذ من بعض كبار المضاربين لدرجة أنه يعاني من حالة من الانفلات السعري. فحركة السهم غير طبيعية وغير منضبطة... تحركات بنسب عليا ودنيا ولأيام وأسابيع قد تطول... فما هي النتيجة؟ بالطبع انفلات وارتفاع في مستوى مخاطر الاستثمار في سهم الأسماك، في مقابل انضباط وانخفاض مستوى المخاطر للاستثمار في سهم سابك. أي أنه على الرغم من محدودية دور كبار المضاربين كصناع للسوق لعدد قليل من الأسهم، نتيجة سيطرتهم - بأي صورة كانت - على حصص مهمة فيها، فإنهم لا يزالون يتسببون في اضطراب السوق من آن لآخر.
من يقود موجة الصعود الحالية؟
لا يمكن تصور أن تقل أو تضعف مقدرة صناع السوق فجأة على تصنيع السوق، ولكن من آن لآخر تختلف رؤياهم وأهدافهم، وبخاصة عندما تستمر سياساتهم لفترة من الوقت وتسبب حالة نفسية غير مقبولة لدى المتداولين. فالنفس البشرية لا تميل للانضباط التام حتى في أمورها الحياتية، فكيف يمكن أن تتقبله في رغبة جامحة نحو الربح والمكسب. بالطبع انضباط السوق، على الرغم من أنه بدأ يحرز مكاسبه في وصول السوق والأسهم إلى مستويات جذابة للغاية، إلا انه في الوقت ذاته تسبب في تراجع السيولة نتيجة أن كثير من المحافظ ربما اعتادت على الاستثمار في البيئة غير الصحية. فكثيرا ما نسمع بعض المضاربين يشير إلى ملله من السوق لأنها لا تحقق له ربحا سوى 20% فقط، فالبعض اعتاد على الأرباح الخيالية نتيجة التلاعبات والممارسات غير الشرعية، لدرجة أننا نجد أن المصطلح الشائع بين المضاربين في السوق هو (التدبيلة) أي مضاعفة المحفظة خلال فترة قد تقاس بالأيام. ولكن ينبغي أن ندرك أن ذلك لا يحدث إلا في ضوء إلحاق خسائر كبيرة لأطراف أخرى في السوق، إلا ان دور الهيئة كصانع إداري للسوق منع ذلك وقلصه في أضيق الحدود.
لذلك، فمن المعتقد أن الموجات الصاعدة القصيرة لا تحدث صدفة أو عشوائية، بل غالبا ما ترتبط بمحفزات إيجابية أو حتى مبررات منطقية، فقط قد تتغير رؤية صانع السوق، بحيث يرى أن حالة السوق تستدعي فتح المجال لمسار صاعد يعيد سريان الدماء في عروق السوق من جديد. وبالتالي يسعى لحث السوق على التحرك لأعلى من خلال طرح العديد من القرارات الإيجابية مثل الموافقات على زيادات رؤوس أموال الشركات وأسهم المنح والتخفيف من الاكتتابات.
في المقابل فإن كبار المضاربين - كما هم دائماً - يجهضون كل موجة صاعدة من خلال تلاعباتهم والمبالغة في صعود المؤشر سريعا إلى مستويات كبيرة تصنع فقاعات وتخيف من فتح المجال لإلباس السوق لباسا غير استثماريا مرة ثانية، عندها وفي أي لحظة نتيجة الصعود غير المبرر قد يصاب المؤشر بكبوة تعيد إلى مسارات عدم الثقة من جديد، فهل يتعلم كبار المضاربين الدرس ويتركون الأسهم بدون تضخيم، ويتمهلون في عدم حمل المؤشر سريعا إلى مستويات تستعجل إنهاء كل مسار صاعد مبكرا، حتى أنهم يفتعلون مسارا صاعدا رأسيا غير منطقيا، حتى جني الأرباح الطبيعي يؤخرونه. إن الموجة الصاعدة الحالية يمكن أن تستمر شهورا وشهورا إن أمهلها المضاربون الفرصة للتحرك بعقلانية، فهل يتعقلون !!
(*) محلل اقتصادي ومالي