أسأل نفسي دائما عندما أجد اختلافا في مضمون تصاريح بعض المسؤولين التي تنشر في أكثر من صحيفة محلية، ثم أعود إلى التساؤل من جديد عن أسباب صمتهم أمام التحريف المتعمد لتصريحاتهم الرسمية!!. إن كان شىء في ذلك تم. وأقول ربما أن بعض المسؤولين لا يدققون كثيرا في تصريحاتهم الشفهية التي يوجهونها للصحافة المحلية؛ لذا فهم لا يستطيعون تحديد الصحيفة التي أخطأت في نقل التصريح، مثل هذا الاستنتاج يفترض ألا ينفي وجود مجموعة كبيرة من المسؤولين ممن يدققون كثيرا في ما يُنقل عنهم من تصريحات. هؤلاء المسؤولون، وأكثريتهم من الوزراء، لا يمكن أن يمرروا أخطاء بعض المحررين الميدانيين، المقصودة وغير المقصودة، وهو ما يكسبهم مع مرور الوقت نوعا من الحصانة (الدبلوماسية) في بلاط صاحبة الجلالة.
التصريحات السياسية والاقتصادية ذات العلاقة بأسواق النفط والمال، يمكن أن تكون من أهم التصريحات التي يفترض فيها الدقة والوضوح، لذا تحرص الدول ومسؤوليها على اتخاذ أعلى معدلات الحذر عند محاولتهم توجيه التصريحات الرسمية للإعلاميين.
وأذكر أنني استمعت إلى مؤتمر صحفي مشترك بين وزير خارجية إحدى الدول الغربية، ووزير خارجية إحدى الدول العربية الذي قال في رده على أحد الصحفيين (لقد تطابقت وجهات نظرنا حيال القضايا المدرجة على طاولة البحث) وبعد الترجمة رد الوزير الغربي بقوله (كانت هناك نقاط خلاف في القضايا...) وحدد القضايا بعينها، ما أدى إلى إحراج الوزير العربي أمام عدسات المصورين.
أعود إلى أصل الموضوع، وأركز هنا على التصريحات الاقتصادية ذات العلاقة بسوق المال، متجاوزا تصريحات العام 2006 المتناقضة وبعض التصريحات الجديدة، ومركزا على تصريح معالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الأخير الذي جاء فيه ما نصه (إن البنوك السعودية لن تتأثر بتراجع حجم التعاملات في سوق الأسهم السعودية التي يتولد عنها إيرادات كبيرة في صورة عمولات).
صحيفة أخرى تحدثت عن مخاوف تأثر البنوك المحلية التي تعتمد العمولات في السوق، ونقلت عن معالي المحافظ ما نصه (أن من الممكن أن تتأثر أرباحها (البنوك) لكن مكانتها تبقى قوية). يمكن أن نلحظ الفرق الكبير بين التصريحين السابقين المنشورين في صحيفتين مختلفتين؛ فالأول ينفي إمكانية تأثر البنوك بسبب نقص عمولات التداول، أما التصريح الثاني فيؤكد على إمكانية تأثر أرباح البنوك مستقبلا دون أن يؤثر ذلك في مكانتها القوية!!!.
أي التصريحين أدق؟ لا أعلم!!
ومن قال لا أعلم فقد أفتى، وننتظر فتوى أصحاب الشأن في موضوع اختلاف التصريحات الرسمية بين مطبوعة وأخرى، وفي موضوع تجاهل تصحيح خطأ (النقل) بعد نشره من قبل المسؤولين أنفسهم.
الأسواق المالية لا يمكنها تحمل تناقض التصريحات الرسمية، أو أخطاء ناقليها، وهو ما يدفعنا إلى المطالبة بتوخي الحذر عند الحديث المباشر عن أسواق المال خصوصا في مثل هذه الظروف الحرجة.
هناك من يدفع نحو التشكيك في مقدرة البنوك السعودية على تجاوز أزمة سوق الأسهم لأسباب مجهولة، وهناك من يحور التصريحات الرسمية لتحقيق أهداف خاصة ربما رُبطت بتصريحات سابقة بقصد إحداث تأثيرات سلبية.
وهناك من يعتقد، متعمدا لا جاهلا، بأن البنوك السعودية ستواجه مشكلة كبيرة في مستوى الربحية نتيجة انخفاض عوائد عمولات الأسهم!!.
هؤلاء لم يوضحوا لنا كيف حققت البنوك السعودية أرباحها القياسية في الأعوام التي سبقت مرحلة طفرة الأسهم؟، وكيف استطاعت زيادة أرباحها بمعدلات قياسية للعام 2006 على الرغم من كارثة سوق الأسهم التي بدأت في شهر فبراير - شباط من العام نفسه؟.
من الطبيعي أن تتأثر ربحية البنوك بتناقص إيراداتها من عمولات الأسهم، إلا أنه تأثر لن يطول على أساس أن البنوك التجارية تسعى دائما للتكيف مع ظروفها الطارئة، وتسعى لإيجاد البدائل المناسبة الكفيلة بتعويض نقص الإيرادات، وخلق مصادر أخرى للربح.
لست بصدد الدفاع عن البنوك، أو توضيح موقفها حيال عمولات التداول فما قاله معالي المحافظ يفترض أن يكون الفيصل في مثل هذه الأمور، وإن كنت أميل لتصريحه الثاني الذي يقول فيه (أن من الممكن أن تتأثر أرباحها لكن مكانتها تبقى قوية) فهو الأدق بالنسبة لي، ولكن ماذا عن الآخرين؟.
ومن أجل الآخرين، والدقة في التصريح والنشر، فإننا نرجو من أصحاب المعالي وزير المالية، وزير الاقتصاد، رئيس هيئة السوق المالية المكلف، محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، نرجو منهم جميعا، وباقي الوزراء، التكرم بتعيين متحدث رسمي منفتح على وسائل الإعلام باسم وزاراتهم الحساسة ليكون حلقة وصل فعالة بين الإعلام والوزارة وجمهور المواطنين، ففي ذلك الخير والصلاح لجميع الأطراف ذات العلاقة.
f.albuainain@hotmail.com