تقول الحكمة البريطانية (...إن مزارعا في الريف البريطاني وضع لوحة دعائية كبيرة يقول فيها إن سعر البطيخة جنيه واحد وأنها تقطف مباشرة لتكون طازجة عند طلب الزبون... وحين أتته إحدى الفتيات قائلة : ( لا أملك إلا نصف جنيه وأريد أن اشتري بطيخة بهذا المبلغ) أجابها بالرفض؛ لأن سعر الواحدة بجنيه واحد، وحينما أصرت على طلبها بحث لها عن بطيخة صغيرة جدا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصلح للأكل أشار اليها قائلا : هذه بنصف جنيه، ولكن المفاجأة أن قبلت بها الفتاة وطلبت منه ألا يقطفها ويتركها مكانها حتى تعود إليه بعد شهر !!).
لاشك أن موضوع البيع وتحديد السعر عند المزارع خضع لموضوع الربح المحاسبي، بينما الشراء عند الفتاة تم على مفهوم الاستثمار المستقبلي. فما هو الفارق بين كل من هذين المفهومين ؟ وكيف ينظر المحاسب إلى هذا الموضوع وكيف ينظر إليه الاقتصادي؟!
سوف أستعرض في هذا المقال مفهوم الربح والخسارة عند المحاسبين وعند الاقتصاديين، وما أثر ذلك على البنية الأساسية لخدمة رأس المال وتنميته وأثر كل ذلك على المنشآت الاقتصادية وبالتالي على سوق الأسهم.
من المهم جدا أن نبدأ ببعض التعريفات الرئيسية كي يلم غير المختصين بأطراف الموضوع. فالاقتصاد يعرف بأنه مجموعة الأنشطة المؤدية إلى توزيع المنافع والخدمات على مجتمع في منطقة جغرافية معينة، كما يعرف بأنه الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة. بينما تعرف المحاسبة بأنها مجموعة الإجراءات التي تتخذ لإثبات وقيد الأحداث المالية واستخراج نتائجها لنشاط معين ولفترة زمنية معينة. لذلك نجد أن المحاسبة تهتم بما حدث فعلا وإثبات ما تم من تصرفات لها انعكاسات مالية. وتأسيسا على ذلك فإن موضوع الربح والخسارة يختلف وفقا لنظرة كل فريق، فبينما يعرف المحاسبون الربح بكل بساطة بأنه الإيرادات ناقصا المصروفات، نجد أن الاقتصاديين يعرفونه بأنه الفرق بين ما تحقق من صافي إيرادات وبين تكلفة الفرصة البديلة. وعلى ذلك فقد تكون المنشأة خاسرة اقتصاديا رغم أنها محققة لأرباح محاسبية كبيرة وفقا لهذه القراءة.
إلا أن المحاسبة نجدها دائما أكثر دقة وتشدداً في تحديد القيم، لما لذلك من اثر على مستقبل الخطط الاقتصادية. لذا نرى أن النتائج المحاسبية تعتبر مقاييس جيدة للتعرف على مدى صحة القرارات ذات التأثير المالي، وكلما كانت هناك إجادة في إظهار المراكز المالية كلما كان هناك تصوير أفضل لوضع منشأة معينة؛ لذلك نجد أن المجمعات المهنية العالمية تهتم بهذا الموضوع وتولية عناية بالغة بشكل دوري ومستمر. ففي آخر تحديث لاجتماعات مجلس أسس المحاسبة المالية (أف أي اس بي) في12 يناير 2007 كان هناك اهتمام واضح بموضوع أسلوب عرض القوائم المالية. ويمكن أن يندرج هذا الموضوع تحت ما نسمعه يتردد كثيرا بعبارة الإفصاح. وقد اهتم هذا التحديث بأن توضح القوائم المالية صورة المنشأة المالية بشكل مترابط واستخدمت باللغة الانجليزية كلمة(cohesive) وهو وصف له أبعاد كبيرة جدا عند المحاسبين ومراجعي الحسابات بصفة خاصة. كذلك نجد أن هذا الترابط بين المعلومات المالية هو ترابط انسجامي ومؤسس، واستخدمت لتعريف هذا الوصف كلمة (articulation) وهو وصف جيد لنوعية هذا الترابط.
وأنا إذ أطرح هذا الموضوع للقراء اليوم لكي يتمكن القارئ من ربط العلاقة بينما يتخذ من قرارات تجاه شركات معينة من حيث الإفصاح وبين ما يوضع كتنظيم ثابت لأسلوب إدارة أموال الشركات وإيضاح نتائجها. ذلك أن للمحاسبة أهمية مؤثرة في الاقتصاد القومي بدأت منذ أن أسست أول مفاهيم محاسبية في عام 1494 في ايطاليا ونشرها السيد لوكا باسليو في ذلك التاريخ.
ولأن القيمة المالية لأي شركة تتأثر بالتغير في حقوق الملاك الناتج من الربح أو الخسارة المحاسبية فإن مناقشة العائد على الاستثمار من قبل الملاك أصبح أمرا ملحا، دون التقليل من أهمية وجهة النظر الاقتصادية في قياس نتائج الأعمال وتأثيرها على الاقتصاد العام، فالأرباح المحاسبية قد لا تعطي صورة عن الأرباح الاقتصادية لذلك كان هذا الموضوع له تأثير على قيمة وأسعار الأسهم. وقد كتبت مجلة الوول ستريت في 2 يونيو 2003 بما يفيد: ( رغم أن العائد على السهم يفترض أن يؤدي إلى مراجعة سريعة لملف الشركة وفقا للمبادئ المحاسبية المتوافق عليها، إلا أن الاقتصاديين يرون في الربح اللغز المحير ويرون أن الربح المحاسبي لا يمكن أن يعني ويتساوى مع الربح الاقتصادي). ودارت نقاشات كثيرة ووجهات نظر متباينة حول هذا الموضوع منذ القدم وكان من أبرزها أطروحات البروفيسور نايت في عام 1921، كذلك نجد النظرية الأساسية للماركسية العمالية تعرف الربح بأنه أي دخل للملاك بمن يضم من عمال لاعتباره أفضل تبرير للإفادة من جهود الطبقة الكادحة، وفي المقابل نجد أن بعض الاقتصاديين منذ عهد ادم سميث نادوا بخطاء هذه النظرية موكدين أنها تقود إلى نتيجة خاطئة. وتطبيقيا فالمالك العادي مشاركا من خلال تقديمه خدمات لإدارة المنشأة. وعليه فإن خدماته تستحق أجراً لذلك، وعليه فإن جزءاً من عوائده ليست أرباحاً، وإنما عبارة عن مخصصات عمله. لذلك نجد أهمية التعرف على الفوارق بين كل من النظرة الاقتصادية للربح والنظرة المحاسبية للربح بمعنى أن الاقتصاد يهتم بالإنتاج بينما تركز المحاسبة على علاقة الملاك بالمنشأة من حيث التغير في حقوق الملكية. ويقول روبرت بارتلي في مجلة الوول ستريت إن وجهة نظر السياسات العامة في سوق رأس المال الحديث تصر على استبعاد وجهة النظر المحاسبية في هذا المضمار. ذلك أن السياسات المالية تهتم بتوجيه رؤوس الأموال النادرة إلى أفضل فرص استخدامها، وأن أعلى درجات الاستخدام تعتمد على قياسات الأرباح الاقتصادية وليس على أساس الأرباح المحاسبية (العوائد على الأصول). لذلك فإن قرار سابرينس اكسلي المؤسس للجنة الإشراف المحاسبي قد أكد على ضرورة تضمين المعلومات المالية مقدار العائد على السهم والأسس المحاسبية لهذه البيانات المالية. أيضا كان من أهداف القرار وضع ضوابط وحواجز للإفصاح عن رقم الأرباح الاقتصادية للمنشأة. ونتيجة لهذه التنظيمات نشط المديرون المهرة في استخدام التحليل الائتماني لتحوير الأرباح المحاسبية إلى أرباح اقتصادية ذات معنى مفهوم، والتخلي عن احتساب الأرباح على الأسهم للمديرين الوارثين بإقناعهم أن ذلك هو ما يحدد قيمة السهم. وتتطور اختلافات وجهات النظر في المعالجة لتمتد إلى مواضيع أخرى نذكر منها معالجة الاستهلاكات مثلا، حيث إن الاستهلاك ذو تأثير مباشر على الأرباح فالاستهلاك المحاسبي للأصل لا ينظر إلى القيمة الحقيقية للأصل ويقتصر على توزيع قيمة الأصل على عمره الإنتاجي على عكس النظرة الاقتصادية التي تهتم بقيمة الأصل الفعلي، أيضا يمتد الخلاف إلى معالجة بعض المصروفات، حيث إن بعض المصروفات التي تعالجها المحاسبة على أنها أصل متى ما كان لها تأثير على التدفق النقدي لأكثر من عام نجد أن الاقتصاد يعالجها كمصروف.
ماذا عن سعر السهم !!
* هل يقتصر تأثر سعر السهم بالربح المحاسبي أو الاقتصادي أم أن هناك عوامل أخرى مؤدية إلى انخفاض أسعار الأسهم ؟ وهل للاقتصاديين أو مراجعي الحسابات دور فيه ؟
- لاشك أن أسعار الأسهم تتعرض لكثير من التقلبات في الأسعار السوقية، وهناك مجموعة من الظروف التي تؤدي إلى هذه النتائج وسوف أستعرض أهمها.
فموضوع العرض والطلب يأتي كأحد العوامل الرئيسية في انخفاض وارتفاع سعر السهم. وهذه النظرية الأساسية في الاقتصاد والتي تتركز في انه إذا زاد العرض انخفض السعر، وإذا زاد الطلب ارتفع السعر. إلا أن السؤال الذي يظل قائما هو: ماهية الدوافع التي تشجع حامل السهم للاحتفاظ به وما هي الظروف التي تجعله يتسرع للتخلص منه ؟ ولذا كان هناك مجموعة أخرى من العوامل التي لها تأثير غير منهجي يؤثر على مثل هذه القرارات وبالتالي يؤثر على سعر السهم. يمكن أن تلخص الأسباب في أربعة مؤثرات مهمة، وفقا للتصنيف التالي:
1 - مؤثرات من داخل الشركة:
لا شك أن تسريبات معلومات تأتي في المقام الأول سواء أكانت ايجابية أم سلبية. كذلك تحقق نتائج مالية ايجابية أو سلبية مما يؤثر على حجم العائد على السهم له تأثير على قيمته. كذلك بعض قرارات الشركة من تغيير المديرين أو الحصول على عقود جديدة أو براءات اختراع أو امتيازات أو الدخول في مشاريع رابحة ومعروفة، كل ذلك يؤدي إلى تغير مباشر في قيمة السهم في الأسواق التي يتمتع المتداولون فيها بقدر ولو بسيط من الاهتمام الاستثماري.
2 - مؤثرات خارجة عن سيطرة القطاع:
لاشك أن كثيرا من القرارات أو الظروف العالمية المحيطة لها تأثير على أداء بعض الشركات، وبالتالي ستؤثر على العوائد المالية بشكل مباشر وتؤدي إلى تحفيز المساهم بالاحتفاظ بأسهمه أو التخلص منها، وبالتالي سترفع أو تخفض من قيمة السهم.
3 - مؤثرات ناتجة من الضغوط الاقتصادية:
لاشك أن كل قطاع يكون مؤثرا على مجموعة الأنشطة في هذا القطاع، لذلك نلاحظ أن نشوء ظروف ايجابية محيطة بصناعة معينة تدفع بأسهم هذه المنشأة إلى الارتفاع، ويلاحظ أن ارتفاع عنصر من عناصر القطاع يجعل من باقي القطاع مستفيد من هذه الايجابية بدرجات متفاوتة، والعكس بالعكس.
4 - مؤثرات ناتجة من تعاملات تجمعات اللاعبين الرئيسيين:
لا شك أن هناك من يستطيع أن يؤثر على قيمة السهم سواء بالانخفاض أو الارتفاع، ويعتمد في ذلك على النظرية الاقتصادية التي تقضي باستجابة السعر لكميات العرض والطلب. وسواء هذه المجموعة عملت لحسابها أم لحساب الملاك الرئيسيين في الشركات خصوصا التي أصبحت أسهمها خارج فترة حظر التداول فإنها ستكون ذا تأثير كبير على قيمة السهم السوقية.
* هل يمكن معالجة ما يحدث في السوق ؟!
- كتبت انسكلوبيديا أنظمة الشركات في مجلة انسكلوبيديا بعض المؤثرات على سعر السهم كان من أبرزها أهمية التعرف على القيمة الدفترية للسهم والقيمة الدفترية الحقيقية للسهم. كذلك ناقشت المجلة أمورا مهمة جدا مثل لماذا يحصل التذبذب المستمر في أسعار الأسهم، ثم لماذا تؤدي الأنظمة وبعض القرارات إلى تعميق حدة التذبذب، كذلك لماذا بعض الملاك يكونون متعطشين لزيادة حدة هذا التذبذب. ويمكن مراجعة هذا الموضوع على عنوان المجلة الإلكتروني www.encycogov.com.
إذاً يجب علينا أن نعترف أولا بظهور إشكال معين لكي نستطيع أن نبحث عند الاقتصاديين آو المحاسبين عن حلول، إما تخطيطية أو حلول قرارية استنادا إلى الأسباب المؤدية إلى هذا الإشكال، فمثلا قد يكون فرص توزيع أرباح على المساهمين إذا حققت الشركة أرباحاً صافية معينة هو بنفس درجة الأهمية من أن تسعى هيئة سوق المال إلى إيقاف التداول على أسهم معينة إذا ما بلغ مجمع الخسائر نسبة معينة من رأس المال، كذلك تحديد الحد الأعلى لرأسمال الشركات يأتي بنفس الأهمية للحد من خلق الأسهم الانشطارية وتداخل القطاعات بعضها ببعض بأسلوب الاستحواذ الذي يعمق في المستقبل المنظور لنظريات الاحتكار.
وأكتفي بهذا القدر على أن أعدكم بمناقشة تأثير البرامج الاقتصادية على الاستثمار، وكيف يبدأ الخلل في منظومة الأعمال.