يعد مؤشر تملك الأسر للمساكن مؤشراً رئيسياً للازدهار الاقتصادي في الدول المتقدمة باعتبار القطاع الإسكاني الداعم الرئيسي للاقتصاد الوطني، لذا ما انفكت تلك الدول تحث الشباب على تملك المساكن في مقتبل العمر وتحفزهم على ذلك من خلال إيجاد آليات تمويلية تمكنهم من رسملة الإيجارات التي يدفعونها لكي تدعم أوضاعهم الاقتصادية في المستقبل بما يحقق لهم الاستقرار النفسي والاجتماعي ويحفزهم للمزيد من العمل والإنتاج والعطاء والابتكار، وبما يمكنهم من تطوير مشاريع صغيرة خاصة بهم لتوسيع القاعدة الاقتصادية وتوفير المزيد من الفرص الوظيفية، مشاريع يمكن لها أن تتطور بمرور الزمن لتصبح شركات عملاقة تشكل أصولاً اقتصادية كبرى.
كيف نرفع مؤشر ملكية الأسر للمساكن؟ سؤال له عدة إجابات، وكل إجابة تتناسب ومعطيات كل بلد ومنظومته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بل وحتى السياسية.
في الدول الريعية ومنها المملكة العربية السعودية تتعهد الحكومات بتوفير التمويل اللازم للمواطنين لشراء أو بناء مساكنهم باعتبار الإسكان خدمة أساسية على الحكومة توفيرها للمواطن، ولذلك قامت حكومتنا الرشيدة في أوائل السبعينات بعد ارتفاع الدخل نتيجة لارتفاع أسعار النفط بمنح الأراضي للمواطنين من الطبقة المتوسطة وما دونها ومنحهم قروض البناء حيث استطاع 80% من المواطنين تملك منازل لهم، ولقد كانت مدة انتظار القرض لا تتجاوز الأسبوعين، ولكن بمرور الزمن وتزايد أعداد المواطنين الراغبين بالحصول على القروض وتزايد الأعباء على الميزانية وانخفاض أسعار النفط زادت مدة انتظار القرض لأكثر من 15 سنة (430 ألف طلب متراكم حالياً) مما أدى إلى انخفاض مؤشر الملكية حتى وصل إلى 50% أو أقل من ذلك، ومن المتوقع أن يستمر مؤشر الملكية بالانخفاض ما لم تقم الحكومة بالاشراك مع القطاعين الخاص وغير الربحي بإيجاد آليات جديدة وفعالة قائمة على تحقيق مصالح مادية مشتركة لجميع الأطراف ذوي الصلة بالقضية الإسكانية (المستفيد، المطور، الممول، مدير الأملاك، الحكومة.. الخ).
ونحن نعيش اليوم أزمة إسكانية بدأت تطل علينا برأسها تمثلت في ارتفاع مفاجئ لأسعار الإيجارات مصحوب بانخفاض مؤشر الملكية برغم الطفرة الاقتصادية والمالية التي تعيشها البلاد وبرغم ما ترصده الدولة من مليارات الريالات لصندوق التنمية العقاري، وفي ظل زخم إعلامي كبير تعرض للقضية الإسكانية تشخيصاً وتحليلاً وعلاجاً وقرارات وتطلعات صرح معالي وزير الاقتصاد والتخطيط خالد بن محمد القصيبي لصحيفة الاقتصادية مؤكداً حجم الطلب الكبير على المساكن، ومبيناً الهدف الذي تسعى الحكومة لتحقيقه بحلول عام 1440- 1441هـ والمتمثل بزيادة معدل ملكية الأسر السعودية للمساكن من 55% 1424- 1425هـ إلى نحو 80% خلال أربعة عشر عاماً، دون أن يوضح لنا معاليه الخطة التنفيذية الزمنية للوصول لهذا الهدف، وما هي المسارات التي ستتحرك من خلالها وزارة الاقتصاد والتخطيط لتحقيق هذا الهدف الكبير، نعم فكل ما صرح به لا يعدو عن كونه أهدافاً وسياسات ورغبات ولم نر آليات مرتبطة بجداول زمنية مما يجعلنا حقيقة نعتقد بأن التصريح يحتاج إلى إيضاح أكثر حتى لا يتهم بأن الهدف منه تسجيل حضور فقط.
ما ننتظره حقيقة أن يخرج علينا مسؤول بحجم وزير الاقتصاد والتخطيط ليبين لنا ما هي الآليات لتوفير أكثر من مليون وحدة سكنية في خمس سنوات وتمكين المواطن من الحصول عليها، أن يوضح لنا كيف سيتمكن المواطن من الحصول على التمويل المطلوب في الوقت المناسب وما هي الخطة الزمنية لإيجاد وتفعيل تلك الآليات، وليبين لنا ما هي المحفزات التي ستوضع لتحفيز ظهور المزيد من شركات التطوير الإسكاني القادرة على تطوير أحياء متكاملة بمساكن كثيرة ومتنوعة تتناسب وحجم الأسر السعودية ودخلها في كل مرحلة من مراحل نموها واضمحلالها، وليوضح لنا كيفية معالجة مشاكل قطاع التشييد والبناء الذي يعاني من ضغط كبير من كافة الجهات الحكومية والخاصة للوفاء بالتزاماته في الوقت المناسب، إضافة لإيضاح الخطوات التي ستعالج بها الحكومة مسألة ارتفاع تكاليف الأيدي العاملة والمواد والأراضي بشكل كبير بما يجعل القدرة الشرائية للمواطن في انخفاض مستمر نتيجة التضخم بكل ما يتعلق ببناء أو شراء المسكن.
معالي الوزير.. الأماني كثيرة وجميلة ولكن العمل صعب وشاق والشباب السعودي وخصوصاً من بلغ منتصف الثلاثينات وهو لا يرى بارقة أمل بتملك منزل يعاني الأمرين، والحل متاح وممكن والفرص كبيرة خصوصاً ونحن نعيش وفرة مالية كبيرة بفضل من الله، ولكن علينا أن نسترشد بالتجارب العالمية في الدول المتقدمة ونحث الخطى لتطويعها وتطبيقها في بلادنا لاستكمال اللاعبين الأساسيين في السوق الإسكانية كماً ونوعاً بما يؤصل لدورات مالية متتالية بين هؤلاء اللاعبين بما يحقق أهدافهم جميعاً وأهداف المستفيدين بالتبعية وأهداف الحكومة بالمحصلة.
ختاماً أقول وكما يقول كل مواطن، كلّنا ثقة بحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز يحفظه الله، ولكن المطلوب إيجاد هيكلة سليمة ذات قوة دافعة لكل من له صلة بالقضية الإسكانية للبذل والإنتاج والابتكار والإبداع بما يوفر وحدات سكنية كثيرة ومتنوعة وفي متناول يد المواطن بضمان دخله الشهري بما يرفع من مستوى معيشته وإنتاجيته معا وبما يؤسس لقاعدة اقتصادية صلبة تستند إلى قطاع إسكاني كبير كما هو الحال في الدول المتقدمة، وكلنا ثقة بمعاليكم يا وزير الاقتصاد والتخطيط وبمعالي وزير المالية وبمعالي رئيس هيئة السوق المالية وبمعالي محافظ مؤسسة النقد بالعمل بشكل متكامل مع قطاعنا الخاص المتوثب لتحقيق ذلك.
alakil@hotmail.com