في مثل هذه الأيام من شهر فبراير من العام الماضي كانت كرة الثلج المتدحرجة من عام 2003م قد وصلت إلى منتهاها وإن شئنا الدقة قلنا حين كاد مؤشر سوق الأسهم السعودي TASI يلامس أعلى نقطة له على مشارف الواحد وعشرين ألفاً قبل أن يهوي حتى يومنا هذا رغم وصول كثير من الشركات إلى أسعار عام 2003م فماذا حصل؟.. سؤال يتردد دائماً على مسامعنا فهل (الصمت حكمة وقليل فاعله).. إذا نظرنا إلى السنوات الأخيرة نلاحظ أن سهم شركة (سابك) كان يشكل قيمة تقارب ربع قيمة سوق الأسهم الإجمالية وكان السهم المفضل لدى صناع السوق وساهم حجمه في جعله بعيدا عن عمليات المضاربة السعرية المكشوفة وبالتالي كان مؤشر السوق مرآة تعكس سعر سهم شركة سابك وسعر السهم كان يعكس الأحداث والتنبؤات المالية والتشغيلية للشركة (الأرباح التشغيلية ومعدلات نموها- المبيعات ومعدلات نموها- أسعار منتجاتها في العالم- معدلات الطلب المتوقعة) وعليه فمن استطاع تحليل أحداث سابك المالية والتشغيلية وتوقع معدلات نموها وربطها بأسعار المنتجات في الأسواق العالمية وأسعار النفط استطاع أن يتنبأ بسعرها المستقبلي وبالتالي استطاع معرفة اتجاه مؤشر السوق وأصبح قادرا على استباق الأحداث قبل وقوعها واتخاذ قرار مالي مناسب.
إن السوق المالي كان وما زال خاضعا للتحليل الأساسي Fundamental analysis ولم يحد عنه ولعل ما حدث في عام 2006م كان شاهدا ناطقا على ذلك، فالمستثمر الذكي بنى قراراته على معدلات نمو الأرباح التشغيلية وتوقعات استمراريتها المستقبلية ومعدلات نموها المتوقعة وبالتالي اتخذ قراره بالبقاء أو الخروج من السوق وفي الوقت الذي كانت فيه مؤشرات التحليل الأساسي تكشف بوضوح حال الشركات المكونة للسوق مغيبة رغم تحذيراتها كان التحليل الفني Technical analysis الذي يعكس العرض والطلب ونفسيات المتداولين وفقاً لنماذج رياضية وإحصائية يزف السوق المالية إلى مرحلة (الانهيار الكبير) على دفوف بعض محلليه الذين خرجوا في القنوات الفضائية وأشباح منتديات الإنترنت فهم والكلام لهم (بين منطقة جني الأرباح والخروج منها) وما علموا أنهم في ريبهم يترددون.
ومما حصل ندرك أن الخسارة ليست في المال فقط بل هي خسارة العقل حيث أعطى كثير من الناس عقله لهؤلاء المنجمين ليملوا عليهم إرادتهم ويسوقونهم إلى المخاطر فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وسنستعرض اليوم القوائم المالية الأولية للشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) لعام 2006م كاملا كما سنقوم بتحليل للنسب المالية ساعين في هذا المقام لتعزيز ونقل المهارات التي تساعد على قراءة القوائم المالية التي تعكس واقع المنشأة بعدالة حتى يتمكن المستفيد من اتخاذ قرار مالي رشيد وفقاً لرؤية واضحة، وأكرر أن هذا التحليل ليست دعوة بيع أو توصية شراء بل مرحلة جديدة لا تفرض فيه إملاءات.
تفسير قطاعات الأعمال
الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) من أكبر شركات البتروكيماويات على مستوى العالم وهي عملاق صناعي كبير ذات أثر كبير في الاقتصاد الوطني وتشكل منتجاتها حصة كبيرة من صادرات المملكة غير النفطية وهي شركه مساهمة برأس مال قدره 25 مليار ريال مدفوع بالكامل، ويبلغ عدد الأسهم المصدرة مليارين ونصف المليار سهم بقيمة اسمية قدرها عشرة ريالات للسهم وتمتلك الدولة 70% من رأس المال، وتأسست الشركة في عام 1976م ونشاطها الرئيس هو إنشاء صناعات البتروكيماويات والأسمدة والحديد والصلب والألومنيوم والصناعات الهيدروكربونية الأساسية، وتدار الشركة من مجلس إدارة مكون من سبعة أعضاء ويقع المركز الرئيسي للشركة في مدينة الرياض وتقع مصانع سابك في مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، ومصنع في مدينة الدمام كما أن سابك شريك في ثلاث شركات إقليمية في البحرين وتمتلك حصصاً كبيرة في مجمعات بتروكيماوية أوروبية بالإضافة إلى منافذ تسويقية عالمية وتتجمع شركات سابك في ست وحدات عمل إستراتيجية هي الكيماويات الأساسية، الوسطيات، البولي أولفينات، البي في سي والبوليستر، الأسمدة، المعادن، وتساندها القطاعات الوظيفية وقطاع الخدمات المشتركة وتقوم سابك بالإفصاح عن نتائج أعمالها من خلال ثلاث قطاعات رئيسية هي: أولاً قطاع البتروكيماويات ويشمل (الكيماويات الأساسية، الوسطيات، البولي أولفينات، البي في سي والبوليستر، الأسمدة).
ثانيا قطاع المعادن ويشمل (منتجات الحديد والصلب واستثمارات في شركات إنتاج الألمنيوم).
ثالثا قطاع المركز الرئيسي ويشمل (عمليات المركز الرئيسي والخزينة ومركز الأبحاث والتطوير).
ومن خلال هذا التفسير القطاعي وبالنظر إلى القوائم المالية يتبين لنا أن قطاع البتروكيماويات يمثل الهيكل الأساسي لعمليات التشغيل في سابك حيث شكل ما نسبته 85% من المبيعات و80% من الأرباح لعام 2006م، حيث بلغت مبيعات قطاع البتروكيماويات 73.9 مليار ريال وشكلت ما نسبته 85% من مبيعات سابك وكانت أرباحه 16.4 مليار ريال وشكلت 80% من أرباح سابك وكانت معدلات نمو هذا القطاع عن العام 2005م 10.9% للمبيعات و10.4% للأرباح.
وعلى صعيد قطاع المعادن بلغت مبيعاته 7.6 مليار ريال وشكل 8.4% من مبيعات سابك وكانت أرباحه 1.7 مليار ريال وشكلت ما نسبته 8.3% من أرباح الشركة وكانت معدلات نمو هذا القطاع عن العام 2005م 7% للمبيعات فيما كان نمو الأرباح سلبياً بهبوطها من 1.8 مليار ريال في عام 2005م إلى 1.7 مليار ريال عام 2006م.
الأرباح وحقوق المساهمين
ارتفعت مبيعات سابك إلى 86 مليار ريال نهاية عام 2006م بزيادة نسبتها10% عن العام الذي قبله، حيث كانت 78 مليار ريال، كما ارتفعت تكلفة المبيعات إلى 51 مليار ريال نهاية 2006م بزيادة نسبتها 13 % عن عام 2005م وبالتالي بلغ مجمل الربح 35 مليار ريال بزيادة نسبتها 5.2% عن عام 2005، وبلغ صافي الربح لعام 2006م 20 مليار ريال مقابل 19 مليار عام 2005م بزيادة نسبتها 5% وننبه أن نتائج أعمال سابك تعتبر إيجابية إلا أن معدل نمو الأرباح الذي يراقبه محترفو الاستثمار يلاحظ عليه التراجع. وفي جانب حقوق الملاك يظهر رأس المال البالغ 25 مليار ريال حيث تم رفعه خلال عام 2006م عن طريق رسملة 25% الاحتياطيات وذلك بمنح سهم لكل أربعة أسهم ويبلغ الاحتياطي النظامي 9 مليار ريال وهذا الاحتياطي غير قابل للتوزيع ويحق للشركة التوقف عن تكوينه متى ما بلغ رصيده نصف رأس المال وفقا لنظام الشركات ونلاحظ ارتفاع الاحتياطي العام إلى 20 مليار ريال نهاية 2006م بمعدل نمو 17.6 % عن عام 2005م حيث كان رصيده 17 مليار ريال بالإضافة إلى الأرباح المبقاة البالغة 16 مليار ريال ويوجد احتياطي أبحاث يبلغ رصيده مليار ريال وإجمالا ارتفعت حقوق المساهمين من 62 مليار ريال إلى 72 مليار ريال بنسبة نمو 16% وبمقارنة بسيطة بين رأس المال البالغ 25 مليار ريال وإجمالي حقوق المساهمين البالغة 72 مليار ريال يمكننا أن ندرك متانة المركز المالي للشركة.
ويجدر بنا أن نشير إلى أن سابك رفعت رأس مالها بمنح سهم لكل ثمانية عن نتائج عام 2000م، ومنحت سهماً لكل ثلاثة عن نتائج عام 2004م، ومنحت سهماً لكل أربعة عن نتائج عام 2005م.
مؤشرات النسب المالية
وتوقعات النمو
إن أحد أهم مفاتيح النجاح في الأسواق المالية هو القدرة على استباق الأحداث قبل وقوعها عن طريق الاستقراء والتنبؤ، ويعد تحليل النسب المالية من أهم التحليلات التي تبنى عليها القرارات المالية حيث يعطي مؤشرات تقييمه عن الواقع الاقتصادي والمالي للمنشأة والتنبؤ بمستقبلها فيمكن مقارنة أداء الشركة مع السنوات السابقة أو مع شركات أخرى في نفس النشاط أو بمتوسط الصناعة، وسنستخدم في هذا التحليل أهم النسب المالية حيث نلاحظ تراجعا طفيفا لمعدل العائد على حقوق الملكية والقيمة الدفترية للسهم، ويعزى ذلك لنمو الأرباح بمعدل أقل من نمو رأس المال، حيث قامت الشركة برفع رأس مالها خلال عام 2006م من 20 مليار ريال إلى 25 مليار ريال بمنح سهم لكل أربعة أسهم، وبربط نسبة التداول السريعة بمعدل دوران المخزون المتراجع نلاحظ ارتفاع رصيد المخزون من 10 مليارات ريال في 2005م إلى 13 مليار ريال خلال 2006م، ويمكن ربط ذلك بتراجع معدل نمو المبيعات.
وبإلقاء نظرة على مبيعات وأرباح سابك للخمس سنوات الأخيرة يتبين لنا أن الشركة جمعت بين صورتين مختلفتين في عام 2006م، وذلك بتحقيقها أعلى رقم للمبيعات والأرباح وأقل معدل نمو للمبيعات والأرباح.
(*) عضو الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين وعضو الجمعية السعودية للمحاسبة