وأخيراً ابتسم الحظ لعدد من المدارس الأهلية التي طالما خسرت لضعف مستواها التربوي والتعليمي، فقد جاءها الفرج بمباركة من وزارة التربية والتعليم بالمعدل التراكمي.
قررت وزارة التربية والتعليم تطبيق المعدل التراكمي على طلاب الصفين الثاني والثالث الثانوي، وإلغاء أسئلة الوزارة والاكتفاء بتقويم المدارس. ولعل هذا القرار القشة التي قصمت ظهر البعير، فقد قضت الوزارة على كل اجتهاد وتنافس ومثابرة من الطلاب، لقد كانت أسئلة الوزارة المحك الحقيقي للمدرس والطالب، صحيح أننا كنّا لا نشهد هذا التنافس إلا في الصف الأخير من المرحلة الثانوية، وكان تنافساً يعوض كثيراً مما فات في الصفين السابقين، ولكننا الآن بهذا القرار لن نشهده لا في الأول ولا في الأخير، لأن الطالب لم يعد بحاجة لمثل هذا الاجتهاد، ولماذا كل هذا التعب والإرهاق وغيره يحصلون على معدل أحسن منه أو مثله، وهم أكثر راحة.
لعله من المبكر أن نحكم على نتائج قرار لم يطبق بعد، إلا أن هذا القرار من القرارات التي عرفت نهايتها قبل بدايتها.. فنهاية البداية نلمسها ونعرفها وإن لم تكن مباشرة، انظروا لعدد طلاب الصف الثالث ثانوي في المدارس الأهلية في الفصل الدراسي الأول، ثم انظروا لعددهم في نفس السنة أثناء الفصل الدراسي الثاني، فالطلاب بعد ما يحصلون على درجات عالية ينتقلون للمدارس الحكومية، حتى تكون الشهادة من مدرسة حكومية، وانظروا لظاهرة ارتفاع درجات الطلاب في الفصل الأول -وخاصة في المدارس النائية- ثم تدنيها في الفصل الثاني في كثير من المدارس الثانوية، وهذه ظاهرة ملموسة لمسها أنصاف المتعلمين، وكنّا نتمنى من الوزارة دراسة هذه الظاهرة، لكننا تفاجأنا بمباركتها المعدل التراكمي الذي لا يحتاج من الطالب إلا لصبر وطول نفس فبدلاً من عام عامين.
فما الهدف من هذا القرار؟
يبدو أن وزارة التربية والتعليم عانت من مشكلة إهمال وتقاعس الطلاب في الصفين الأول والثاني، لكنها عالجت الخطأ بخطأ أفدح منه، فالطلاب وأولياء أمورهم همّهم الحصول على معدل مرتفع بغض النظر عن الوسيلة والتكلفة.
دعونا نفكر بعقلانية.. أليس من السهل على الطلاب وأولياء أمورهم أن يبحثوا عن مدرسة تعطي درجات لطلابها بغض النظر عن مستواها؛ حتى نضمن لهم قبولاً لمرحلة ما بعد الثانوية؟
إن التوجه القادم لنوعية المدارس الثانوية سوف يكون لنوعين، هما:
المدارس الأهلية التي تعطي الطلاب بلا حدود؛ ضماناً لكسبها المادي - وهذا ملموس في الواقع فما بالك بالمستقبل- بغض النظر عن كفاءتها التربوية والتعليمية، وذلك للقادرين من أولياء الأمور.. والنوع الآخر هي مدارس القرى والهجر النائية، هذه المدارس لا تستفيد مادياً، وذلك لأولياء الأمور الذين لا يستطيعون دفع رسوم المدارس الأهلية.
نحن نعاني من مشاكل التعليم الأهلي التي من أبرزها مخرجات لا تتوافق مع واقعها، وعمادات القبول والتسجيل في الجامعات السعودية أعلم مني وعندها الخبر اليقين.
نحن لا نطالب وزارة التربية والتعليم أن ترد بكلام نظري من إدارة العلاقات العامة، نحن نريد بحوثاً علمية محكمة درست هذه المشكلة، وأوصت بتطبيق مثل هذا القرار. ولإثبات صحة قولي بأن المعدل التراكمي قرار ليس مبنياً على دراسات علمية، انظروا في مستقبل المدارس الأهلية الثانوية سوف تجدون إقبالاً من المستثمرين على طلب رخص لها، وانظروا لأعداد الطلاب في مدارس المدن الحكومية مقارنة مع مدارس القرى والهجر.
هذا القرار ظلم فيه أبناء المدن الذين لا لهؤلاء ولا لهؤلاء.
نحن نتفق مع الوزارة بأن هناك مشكلة في تقويم المرحلة الثانوية، ولكننا نختلف معها بشدة في حل هذه المشكلة بمعدل تراكمي ليس فيه محك موحد لجميع العناصر المكونة له.
متى تنتهي معاناتنا مع قرارات وزارة التربية والتعليم غير الملائمة للميدان التربوي؟... إلى متى؟
(*)ماجستير أصول تربية
كلية التقنية في الرياض - قسم الدراسات العامة