تعرفت على فقيدنا الغالي منذ خمس سنوات عن طريق صديق مشترك هو الأستاذ عبدالله بن محمد العذل وكنت أعلم قبل اللقاء به بأن له باعاً طويلاً في الرياضة عامة وكرة القدم منها خاصة، وكان مكان قضاء الإجازة الصيفية العامل الأوحد لأن تنشأ بيننا العلاقة بحكم أنه وأنا نجتمع في جنوب كلفورنيا لأن أولادنا طلاب في جامعاتها المختلفة، عرفه أولادي الدارسون مع أولاده قبلي وكان لهم بمثابة الوالد يعاملهم معاملة حانية حتى إنه عرض على ابني وابن أخي أن يسكنوا مع أولاده في منزله الذي يمتلكه هناك، وكان في منتهى اللطف في معاملته لأبنائه وأبنائي إلى درجة تماثل معاملة الصديق للصديق؛ يحاورهم ويوجههم ويتناقش معهم في الشؤون العامة والخاصة، وفي الصيف حين يكون مع الأولاد في إجازته السنوية يصبح أحد لاعبي فريق كرة القدم الذي كونه الطلاب المبتعثون السعوديون في مقاطعة (أورنج) قرب لوس أنجلس. وحين قابلته أول مرة لم تمض إلا أيام قلائل حتى أصبحت علاقتنا حميمة صادقة كأنها بدأت منذ طفولتنا.
أبو خالد (عبد الله الدبل) لم يكن عاشقاً للرياضة لمجرد أنها رياضة بل هو عاشق للوطن فهو همه الأول، ويعمل على أن تكون المملكة ضمن طلائع الدول من خلال وجودها على كل صعيد، وبخاصة صعيد الرياضة، وأبرز مناشطها (كرة القدم)، وعنده أن المملكة حين تكون بارزة فإن هذا من شأنه أن يعرفها شباب العالم المهووسون بمتابعة مجريات المنافسات فيها على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي.
كان يحدثني في الصيف الماضي عن إيجاد نظام للاحتراف في النوادي الرياضية، وهي المهمة الجديدة التي أسندت إليه، ويقول لي: إني انشغلت كثيراً عن أسرتي وأهلي (إخواني، أولادي، وزوجتي) وحتى عن أعمالي الخاصة وحتى صحتي قد لا تساعد على المضي بالعزم الذي أرغبه، فقلت له: يا أبا خالد أنت رجل المهمات، ووطنيتك توجب عليك المضي في إنجاز ما طلب منك. وأردفت قائلاً: والمورد العذب كثير الزحام، كل من عرفك يطرق بابك لتولي مهمات تحسنها بل وتبدع فيها.
ما جعلني أتعلق بالأستاذ عبد الله الدبل هو صفاء سريرته، ونقاء صدره، وحبه لبلده، وتفانيه في تقديم الصالح العام على المصلحة الخاصة، وفاؤه لأصدقائه ومعارفه، سعادته أن يقدم الخدمة لمن يحتاجها وتلبية رغبة أحبائه.
كنا نتحدث في أحد الأماسي عن تذوق كل منا لبعض المأكولات، وذكرت لهم تعلقي بطبق لم يكن متوفراً في بقالات المدينة التي كنا نقيم فيها، وكانت المفاجأة لي ولأفراد أسرتي أن يطرق بابنا في اليوم التالي ويهدينا ما جاء ذكره عرضَاً في حديثي، وأكتشف أنه قطع مسافة طويلة يبحث عن ذلك الطبق حتى حصل عليه وأحضره.
لم أسمعه يتحدث عن أي شخص في دنيا الرياضة أو غيرها بسوء، عفُ اللسان والجنان، تقي، ورع مع روح شاب تماثل من هو في العشرينيات من العمر.
تألمت كثيراً لفقده وموته المفاجئ. لقد بكيته من فرط حبي وتقديري له.. رحمه الله رحمه واسعة، وأسكنه فسيح جناته وجبر مصاب محبيه. أقدم التعزية لأم خالد وإخوانه الكرام عبدالرحمن، ومحمد، وجمال، ويوسف، وعادل، ونبيل، وعدنان، وعارف، وعماد، وفيصل، ونواف، ولأولاده الأعزاء خالد، وندى، وفهد، وفيصل، وسلطان.
إن الحديث عن فضل فقيدنا والثناء الطيب الذي سمعته وقرأته من عارفي فضله ينبغي أن يكون عبرة لنا جميعاً فلا يُخلَف أحد في الدنيا إلا العمل الصالح، والذكر الحسن، والسيرة العطرة، وأبو خالد - رحمه الله - قد استحق كل هذا وأكثر منه. وهو أنموذج في حياته وعبرة بعد وفاته. رزقنا الله جميعاً حسن الخاتمة وجعل ذكرنا طيباً في الحياة وبعد الممات.
و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.