يدعي أحد الاقتصاديين الغربيين بالقول: (أنا سعيد بالعمل مع رجال الأعمال في السعودية لأن الاقتصاد السعودي يعمل وإحدى يديه مقيدة خلف ظهره)، وهو يقصد هنا أن أغلب الأعمال الاقتصادية غير مسموح للمرأة العمل فيها. ولعل أبرزها الاستثمار، وأن السيدة السعودية واجهت العديد من المعوقات أثناء محاولتها الدخول لعالم الاستثمار الذي مازال يتسم بطابع الذكوري. (الجزيرة) استمعت عبر استطلاع واسع إلى وجهة نظر العديد من المسئولين ورجال الأعمال ومعرفة ما إذا كانت آراؤهم مؤيدة لآراء المرأة.
تحدث لنا في البداية رئيس لجنة الاقتصاد والطاقة في مجلس شورى الدكتور شويش المطيري, قائلا: إن الموضوع يحتاج إلى شرح ومزيد من التحليل، مبينا أن الاستثمار في السعودية، يماثل أي استثمار في أي دولة في العالم، ولكي تنجح في جذب الاستثمار والمستثمرين لها تقوم بتسهيل الإجراءات لمواطنيها وغيرهم من المستثمرين سواء كانوا رجالا أو نساء.
وأضاف: لو أردنا أن نتطرق إلى الاستثمار في المملكة نجد أنه كثيرا ما يتم النظر في اللوائح الخاصة بالاستثمار، ولعل أقرب مثال على ذلك إنشاء الهيئة العامة للاستثمار وما تقوم به وزارة التجارة والصناعة من عملية التسهيل بإنشاء المؤسسات الفردية أو الشركات كذلك ما يتم حاليا من زيادة دراسة النظام في المملكة، وهذا يعتبر كنقطة أولى لتسهيل الاستثمار بغض النظر عن كون المستثمر رجلا أو امرأة.
ويواصل المطيري حديثة قائلا: نأتي بعد ذلك إلى الخصوصية في المجتمع السعودي سواء للرجل أو المرأة وأعني أنه لو نظرنا إلى الواقع الحالي سنجد هناك رجالا وسيدات أعمال ناجحون ولا نستطيع الجزم بأن كل امرأة دخلت عالم الاستثمار في السعودية لم تنجح، ولو أردنا أن نضرب أمثلة وأسماء لسيدات أعمال ناجحات لاستطعنا أن نذكر أسماء كثيرة.
ويستطرد المطيري بالقول: قد يكون دخول سيدات في بعض الأعمال ما زال محدودا في المملكة، ولكن هذا لا يمنع أننا نجد مؤسسات المجتمع المدني التي تعنى بالاستثمار مثل الغرفة التجارية الصناعية بدأت تنظر إلى هذا الجانب إلى موضوع سيدات الأعمال لكي تكون نافذة للاستثمار، ولكي يتم التسهيل ومعرفة وقائع عوائق الاستثمار لديها، ويضيف: المرأة السعودية أصبحت تحمل بطاقة خاصة بها وتستطيع بنفسها فتح سجل تجاري أو مؤسسة فردية أو شركة، ونحن نعرف أن هناك مؤسسات كثيرة بأسماء سيدات والقوائم المالية لهذه الشركات تسجل أرباحا جيدة.
ويلقي الدكتور المطيري باللوم على سيدات الأعمال بعدم تحري الدقة عند عرض المعوقات بقوله: من وجهة نظري أنه كان من المفروض أن سيدات الأعمال إذا واجهن أي مشكلة يبرزنها لأن الطريق لحل أي مشكلة هو التشخيص الدقيق بدلا من إطلاق عبارات مثل أن سيدات الأعمال يواجهنا صعوبات للدخول إلى عالم الاستثمار ؟ ويتساءل هنا عن ماهية تلك المشاكل: ما هي هذه المشاكل ؟هل هي فقط أن المرأة لا تستطيع الذهاب إلى الدوائر الحكومية لتراجع أعمالها بنفسها؟ أعتقد أن أغلب نقاط المعوقات لديها هي عبارة عن طرح صوري، فالكرة في مرماها الآن لكي تبرز ما لديها من مشكلات فالمجتمع السعودي مجتمع اسري مترابط، فهناك تكاتف في داخل الأسر السعودية لذا نجد شركات كثير يملكها رجال ونساء سواء من أسرة واحدة أو من عدة أسر مختلفة ونلمس تكاتفا قويا بينهم.
وينفي الدكتور شويش ما يمكن أن يعتبره بعضهم أن الهيئة العامة للاستثمار تشكل عائقا أمام الاستثمار النسائي قائلا: ما أعرفه حقيقة من خلال تقارير الهيئة العامة أنها حريصة جدا على إزالة العوائق التي تواجه المستثمر السعودي سواء كان رجلا أو امرأة، وتقوم كذلك على جذب الاستثمارات.
ويؤكد المطيري أنه من خلال التقارير التي اطلع عليها من جانب ما تم من اجتماعات مع بعض المسئولين في الهيئة يتأكد أنهم حريصون كل الحرص على تسخير كل الإمكانات لأي مستثمر، وأن هناك مكاتب نسائية في داخل الهيئة سواء في المملكة أو في مكاتبها المتواجدة في الخارج.
ويطالب المطيري في نهاية حديثه وسائل الإعلام التي لها دور ريادي في المجال الاقتصادي أن تتطرق لمثل هذه المواضيع بشفافية وخاصة الصعوبات التي تواجه سيدات الأعمال.
من جانبه أكد الدكتور إحسان بو حليقة الاقتصادي المعروف على أهمية منح المرأة الفرصة لتتولى أعمالها بنفسها حيث قال: بالطبع ليس هناك أكثر وطأة بالنسبة للمرأة بعدم مزاولة أعمالها بنفسها، واستغرب بأن مجال الأعمال والمال يسيطر عليه الرجل بصورة واضحة، داعيا أصحاب القرار في مجلس الوزراء تمكين المرأة الراغبة بأن تتولى أعمالها بنفسها دون الحاجة لإرغامها بأن تعتمد على وكيل أو قريب لإدارة أعمالها إلا إذا رغبت هي ذلك بمحض إرادتها
ويشير بو حليقة إلى القرار 120 والقاضي بمنح المرأة الفرصة للخوض في مجالات العمل بشكل أفضل بأن قال: يجب تطبيق القرار الوزاري الرائد برمته وبجميع بنوده تطبيقا واعيا، لاسيما وأن الإسلام منح المرأة ذمة مالية مستقلة وهي تتخذ قراراتها بصيانة الذمة المالية أو التي تملكه، وإن كان هذا الموضوع يتطلب جهدا كبيرا منها.
ويواصل حديثه قائلا: فالقرار يبين رغبة وتوجه الحكومة لذا ينبغي أن يساهم الجميع بعدم إعاقة المرأة لممارسة أعمالها، ويأتي على رأسهم مؤسسات المجتمع والغرف التجارية ووزارة التجارة والصناعة، وأن تأخذ الأمر على محمل الجد، وكل من له صلة بالقرار وخاصة القطاع الخاص باعتبار أن المنشآت الصغيرة في المملكة تعتمد عليه وتلقي على عاتقه مسئولية كبيرة، لذا لابد أن تبذل الغرف جهدا بأن تتجاوز الحديث الإعلامي إلى الجهد العملي وتسهيل أمور المنشآت الصغيرة ومساندتها، وقد يتطلب الأمر تقديم جهد مضاعف، بالإضافة إلى أن الوزارات المعنية بالأمر يجب أن تكثف من جهودها لمساندة النساء العاملات وبخاصة أن السيدات يتعرضن في كثير من الأحيان لمضايقات أثناء مزاولة نشاطهن أو تخليص أعمالهن.
ويؤكد بو حليقة على أهمية تنفيذ حملة توعية لذلك تبين دور المرأة على مر الأجيال سواء من الحضارة الإسلامية أو العالم بأسر بأن لها مجهودا كبيرا في إصلاح التشوهات التي تلوث الاقتصاد التي من بينها عدم الاعتماد على المرأة في الاقتصاد، وأنها جزء معطل فما دامت هي راغبة في الدخول لعالم التجارة كمستثمرة أو موظفة وخاصة أنها مكلفة من قبل الشرع الحنيف، وهذا أمر لا يجب أن يبتعد عن أذهاننا كثيرا لذا حري بنا أن تتقاسم معنا الواجبات باعتبارها مسئولة عنها فهي ستنال الجزاء والعقاب عليها.
وأشار بوحليقة إلى أن الذين يزايدون على المرأة بأن مشاركتها في ممارسة أعمالها بنفسها ستؤثر على تمسكها بالشريعة الإسلامية وحفاظها عليها بأن يفكروا مليا بأن تلك تجاوزات من قبلهم غير مبررة، فقيمة المرأة بالذات في المساهمة الاقتصادية وهي ليست بحاجة إلى محايدين بل إلى موافقين ومعتقدين ومقتنعين بدورها ،كذلك مساندتها ومساعدتها وليس التصفيق لها.
ويختم الدكتور إحسان حديثه قائلا: لا يوجد أي مبرر أو سبب يمنع المرأة السعودية من ممارسة عملها بنفسها، وأن تدخل الاقتصاد السعودي الذي يعتمد للأسف على العمالة الوافدة وجزء من اقتصاده التستر الذي يقوم به سعوديون مع أجانب خارج نطاق النشاط، وهذا بحد ذاته يشكل هدرا غير محسوب للطاقة الموجودة لدى السعوديين، وأعني بذلك في المجالين الحكومي والخاص، وأكرر بأن كل سيدة سعودية بحاجة إلى من يأخذ بيدها ويساندها للتشارك في النهوض بالاقتصاد الوطني مع الرجل على حد سواء دون معوقات.
وفي ختام استطلاعنا يقول رجل الأعمال المعروف سلطان بن صالح: كل شخص في أي مجال لابد أن يواجه معوقات وتختلف المعوقات التي تقف في طريق أي رجل أعمال، كذلك نفس الكلام ينطبق على مختلف القطاعات، ولكن إذا أتينا لكي نتحدث عن الصعوبات التي تواجه المرأة فهناك ظلم كبير يقع عليها لأسباب عديدة الكل يعرفها تقريبا.
وأضاف: لو رجعنا إلى صدر الإسلام وبالتحديد في عهد رسول الله- عليه الصلاة والسلام- لوجدنا أن المرأة كانت تملك عملها بنفسها وتنافس الرجال ولعل اقرب مثال على ذلك أم المؤمنين السيدة خديجة- رضي الله عنها- وكيف كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسئولا عن تجارتها وقبل أن يتزوجها. ولكن الآن اختلف الوضع فقد ظهرت تقاليد وأعراف وتنظيمات الإسلام بريء منها، فأعيدت المرأة لعهد الجاهلية فأصبحت لا تعمل ولا تخرج مثل عدم إمكانية مزاولة تجارتها بنفسها.
ويستطرد الصالح قائلا: بالرغم من أن هناك تغيرات حدثت إلا أننا مازلنا بحاجة إلى تطوير علمي وعملي وتعليمي وتثقيفي، ونثبت بالفعل أن المرأة أخت الرجال.
وحول ما إذا كانت الصعوبات أو المعوقات التي تواجهها المرأة متشابهة مع ما يواجهه الرجل؟ قال: عندما تتساوى مع الرجل في أعمال الفسوحات وإصدار التصاريح هنا تكون المشكلة موحدة، فالأوراق متكاملة، فهناك من يلعب بسبع أوراق والمرأة بورقتين فقط حتى في نقاشاتها لا تتساوى معه.
واستطرد قائلا: فمثلا قيادة المرأة للسيارة لا أعتقد أن هناك نصا شرعيا يحرم ذلك وأذكر في طفولتي أن هناك سيدات كنا يقدن السيارة دون أن يمنعهن أحد.
ويضيف: هناك أنظمة كأنها أصول الحياة، ولكن هناك من يحاول أن يغيرها ولكن المتبع أن النظام لا يغير من جذوره.
ودعا الصالح في نهاية حديثه الهيئة العامة للاستثمار أن تخرج من إطارها العملي الذي هي عليه الآن، وأشار إلى ما يراه بعض من المستثمرين السعوديين بأن إيجاد شريك أجنبي في استثماراتهم هو العصى السحرية لتسهيل إجراء أعمالهم هو أمر صحيح للأسف، ولكن الإجراءات عملت لتفادي أنظمة أخرى.
وأكد بأن رياح التغيير قادمة، وفي حالة صدور أي قرار فإن الوضع لن يتغير في يوم وليلة ولكن سيحدث بإذن الله تدريجيا.