في دراسة قدَّمها الدكتور صالح السعدون تناول خلالها مشروع نظام التقاعد التحفيزي المبكر وحل أهم مشكلات الشعب السعودي (البطالة والعنف).. حيث سنلقي الضوء على ما يهم الجانب الاقتصادي وهو البطالة، التي قسَّمتها الدراسة إلى نوعين.. الأولى: البطالة الحقيقية.. والثانية: المقنَّعة وكيفية مساهمة مشروع نظام التقاعد التحفيزي المبكر في حلها.
قصور نظام التقاعد المبكر
يرى المؤلف وصاحب الدراسة الدكتور السعدون أن نظام التقاعد المبكر يحتوي الكثير من القصور، بحيث إنه لا يساهم مطلقاً في تحقيق الأهداف التي وُضع من أجلها، وأكثر العوائق في هذا النظام التي تعيق موظفي الدولة من اقتناصهم لفوائده العائدة على الموظف من جهة وعلى العمل من جهة أخرى، هو تحديد الراتب الذي يحق للموظف تحصيله بعد التقاعد المبكر حسب النظام المعمول به منذ نصف قرن بنصف الراتب - أي 50% - فقط إلى جانب أمور أخرى صغيرة كمكافأة نهاية الخدمة وغيرها.
ولعلنا في حالة تغيير نظام التقاعد المبكر من خلال تحفيز الموظفين وتشجيعهم على التقاعد، تكون الفائدة عائدة على الفرد في هذا المجتمع المخلص لربه ثم لقيادته والفائدة عائدة على الدولة أيضاً، بحيث تتمكن الدولة من خلال التخلص من جزء من الموظفين القدامى الذين هم على رأس العمل بمساعدتهم على التقاعد المبكر كمكافأة لجهودهم، فإنها أيضاً ستتمكن من حل مشكلات الدولة ذاتها، سواء في إيجاد وظائف جديدة، والتي كثيراً ما تحرص بعض الأحزاب في دول غرب أوروبا واليابان على سبيل المثال إلى جعلها في قمة همومها وبرامجها الانتخابية خصوصاً في بعض البلدان الغربية وأمريكا اللاتينية، بحيث تساهم هذه القضية في حل كثير من المشكلات الأخرى، مثل مشكلة التخلص من الموظف قليل الإنتاجية، وكذلك مشكلة البطالة التي يعاني منها جيل الشباب، وما تضيفه هذه المشكلة (أي البطالة) من مشكلات أمنية وسلوكية وغيرها تعاني منها الدول والمجتمعات.
وقد خلصت الدراسة التي أجراها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني حول قضايا الشباب، إلى نتيجة هامة مفادها: (أن البطالة والفراغ من أهم أسباب العنف بالمجتمع)، فمما لا شك فيه أن علاجه بالقضاء على البطالة، بحيث توجه الدولة تلك المليارات التي تصرف على تجهيزات أمنية باهظة الكلفة من الدخل القومي في كل عام، على إنجاح مشروع (التقاعد التحفيزي المبكر للمعلمين والعسكريين) الذي نحن بصدد الحديث عنه، ومن هنا سنتمكن من تحقيق الأمن الوطني من جهة ورخاء المواطن من جهة أخرى في نفس الوقت أو كمن يصطاد عصفورين بحجر واحد.
عبارة تحفيزي
لعل كلمة تحفيزي هي تشجيع للموظفين من أجل التقاعد المبكر بحكم أن تقاعد الموظف الذي أصابه الملل من العمل سيكون شيئاً مفيداً للوطن وللوظيفة ولذلك الموظف، إلى جانب توظيف شاب جديد متحمس للعمل في آن واحد، بحيث نصطاد أربعة عصافير بحجر واحد هنا لا عصفورين فقط كما يقول المثل المشهور.
ولعل هناك من المنتقدين للمشروع من يقول إن هناك من الموظفين من يحتاجهم العمل بحيث تخسر الدولة في حالة فقدان العمل لهم، فنقول إن هذا المشروع للتقاعد التحفيزي ليس إجبارياً، وإنما اختياري وتحفيزي، هذا من جانب، أما من جانب آخر فيمكن استقطاب هؤلاء المميزين من خلال نظام آخر وهو (التعاقد بعد التقاعد التحفيزي المبكر)، بحيث يتم إغراؤهم برواتب عالية لاستقطابهم في حالة حاجة العمل لتميزهم فعلاً على أن توضع من الشروط والضوابط ما يضمن أن هذا التعاقد لا يكون سوى لمن هم متميزون فعلاً، وبهذا لن نحتاج إلى غير المتميزين في البقاء الإجباري بالوظيفة الحكومية وحجزها عن من هم أكثر نشاطاً وأحقية وكفاءة، ولعله يمكن لديوان الخدمة المدنية من خلال هذا التطوير أن يطور من أنظمته أيضاً، بحيث لا تكون الوظيفة الحكومية وكأنها ضمان اجتماعي لغير ذوي الكفاءة بالعمل.
مشروع التقاعد التحفيزي المبكر
أوضحت الدراسة أن نظام المشروع المقترح يتمثَّل في الآتي:
1 - يرفع التقاعد المبكر إذا بلغت خدمة الموظف 20 سنة من 50% حسب النظام التقاعدي المعمول به حالياً إلى 66% حسب نظام التقاعد التحفيزي الذي نحن بصدد الحديث عنه.
2 - تقوم الدولة بدعم مؤسسة التقاعد دعماً متوازناً بموجب الدراسات الدقيقة بحيث يكون هذا الدعم محققاً لتوازن إيرادات مؤسسة التقاعد مع مصروفاتها ويجعل من مؤسسة التقاعد قادرة على الاستمرار بالعطاء للمتقاعدين، لتحول الدولة بهذا الدعم دون تعرض صندوق التقاعد - الذي يشكل أماناً دائماً بإذن الله لموظفي الدولة المتقاعدين - لأية خسائر قد توضحها الدراسات الدقيقة في حالة الموافقة على رفع تقاعد المعلمين - وربما العسكريين أيضاً - المبكر خلال خدمة 20 - 25 سنة من 50% إلى 66%.
3 - يهدف رفع تقاعد المعلمين المبكر من 50% من الراتب إلى 66%، إلى تشجيع المعلمين وربما بعض العسكريين إذا رأى ولاة الأمر ذلك، على التقاعد التحفيزي لإفساح الفرصة أمام موظفين شباب قادرين على خدمة ميادين الدولة في العمل التربوي والتعليمي والأمن الداخلي والخارجي، والقضاء على البطالة بين الشباب والشابات، حيث تعاني الدولة والمجتمع كثيراً من مشكلة البطالة، والتي بدورها تثير مشكلات أمنية لا حدود لها تكلف الدولة المليارات من الريالات، بحيث تكون الحكمة المشهورة (عدلت فأمنت فنمت يا عمر) هي الرائد هنا، فالدولة إذا توفر فيها الرخاء والعدل ساد الأمن والهدوء وذهب الإرهاب إلى غير رجعة.
4 - إن رفع نسبة التقاعد المبكر للمعلمين والمعلمات الذين يريدون التقاعد المبكر بعد خدمة عشرين سنة من 50% إلى 66% سيشجع ما بين 40000 - 60000 معلم ومعلمة للتقاعد التحفيزي، وكذلك ما بين 20000 - 30000 رجل عسكري، وإخلاء مواقعهم لأجيال أكثر شباباً وأكثر حاجة للعمل وأكثر قدرة على الإنتاج والعطاء وهو ما يعني توفير ما يقارب من 40000 - 70000 وظيفة في مجال التعليم والمجال العسكري.
5 - تستفيد الدولة من هذا المشروع في توظيف الشباب العاطلين عن العمل من الجنسين، وتيسير زواج الشباب والشابات، ورفاهية الأسر والمجتمع السعودي، وفتح المجال أمام المتقاعدين تحفيزياً إلى تجديد أنشطتهم في مجالات جديدة مختلفة عن أعمالهم السابقة، بحيث إنهم أصبحوا أكثر خبرة وقدرة ونضجاً على خدمة الاقتصاد الوطني من خلال الصناعات الصغيرة، وأنواع التجارة المختلفة، مما يحرك دورة الاقتصاد بكافة مساراته.
6 - تستطيع الدولة أن توظف الشباب والشابات معلمين ومعلمات برواتب مجزية، وتقاعد المعلمين والمعلمات المحفزين برواتب مجزية أخرى أيضاً، دون إرهاق الدولة بالمزيد من التكاليف المادية، فالمعلم أو المعلمة اللذان بلغا من الخدمة عشرين عاماً يبلغ راتب المعلم على المستوى الخامس منهم مثلاً حوالي 15845 ريالاً، وإذا ما أُعطي محفزاً للتقاعد المبكر كنسبة 66% أي ثلثي راتبه، فمعنى ذلك أنه يتقاعد براتب يبلغ (10457.7) ريال، وهو ما يحفز أكثر من خمسين ألفاً من المعلمين وربما عدد كبير من العسكريين إلى التقاعد راضين بمثل هذا الراتب التقاعدي، راغبين بتغيير طبيعة أعمالهم من المهنة التي عملوا بها عشرين عاماً، ووصلوا بها إلى حد التشبع والملل، إلى أعمال حرة أخرى مريحة لهم وتتوافق مع سنهم - ما فوق 45 سنة من العمر - وتتوافق مع ميولهم.
ومع ذلك ستتمكن الدولة من توفير ثلث راتبه أي حوالي (5234.3) خمسة آلاف ريال لتوظيف معلم أو معلمة أو عسكري، بدلاً من (المعلم - العسكري) المتقاعد مع توفير كبير للدولة وتكلفة قد تكون يسيرة لمؤسسة التقاعد إذا قيست بفوائد المشروع على الأمن الوطني من كافة أشكاله وجوانبه فيما يتعلق بهذه الكلفة يمكن للدولة أن تساعد مؤسسة التقاعد على تحملها بدعم كاف.
7 - تبقى المشكلة تتعلق بمؤسسة التقاعد إذ إنها ستصرف مئات الملايين من الريالات على المتقاعدين الجدد، في حين تأخذ مقابل ذلك مبالغ أقل من المعلمين - العسكريين الجدد وإن كانت أيضاً تقدر بمئات الملايين أيضاً ولعلنا هنا يجب أن نشير بوضوح إلى أن الفاقد ليس كبيراً بالنسبة لمصلحة التقاعد إذا نظرنا إلى أن كل التغيير الذي حصل لم يتجاوز 16% فقط، ومما يقلل من أهمية تلك الزيادة حين نركز على إيرادات المصلحة خلال عشرات السنين الماضية حيث كانت تأخذ أكثر بكثير مما كانت تعطي، ولعل ذلك كله سيحتاج إلى بيانات ودراسات علمية ومحاسبية دقيقة، لكنها يجب أن تأخذ في حسبانها عامل الزمن فلا بد من أن تنجز تلك الدراسات خلال فترة لا تزيد عن بضعة أشهر فقط، بحيث تحدد الفاقد من الإيرادات مقابل المصروفات في مصلحة التقاعد، سواء كانت تلك الإيرادات من قبل الموظفين السابقين والجدد أو من خلال أرباح المشاريع العقارية والتجارية التي تقوم بها مصلحة التقاعد وتدر مشاريع ربحية منذ عشرات السنين، وهنا نحن بحاجة إلى دراسة علمية دقيقة عن مدى قدرة المصلحة على العطاء بفاعلية تامة دون أن تحدث لها أية أزمات، سواء من خلال تشغيل أموال مؤسسة التقاعد كما تفعل المؤسسة الآن أو من خلال دعم أكثر من رمزي من قبل الدولة تماماً كما تدعم الدولة صندوق الضمان الاجتماعي على سبيل المثال ولعل الأسباب التي تحتم تفاعل الدولة مع هذا المشروع هي أن الدولة تستفيد من هذا المشروع بما يلي:
أ - القضاء على البطالة والعاطلين عن العمل بما يمثله ذلك من ثقل على الدولة وأجهزتها المختلفة، ويفتح آفاقاً جديدة لتوظيف الشباب، دون المرور بما يُسمى بالتستر على البطالة أو استيعاب الوظيفة الحكومية أكثر من حاجتها من حيث عدد الموظفين.
ب - زيادة رخاء المواطنين بما يعود على الدولة بزيادة الرخاء الذي سيتسبب بالأمن والأمان، والتقليل من احتمالات انخراط الشباب بالإرهاب أو التنظيمات المشبوهة في كافة أشكالها كالمخدرات مثلاً وبما يتعارض مع مصلحة الدولة، وزيادة تكاتف وتلاحم المواطنين مع قيادتهم بما يشكله ذلك من دعامة هامة للتصدي لأعداء الدولة في الداخل والخارج.
ج - تجديد الدماء في وظائف الدولة من جيل من الشباب الذي يخدم الدولة بحماس وقدرات مبتكرة، بعيداً عن قدامى الموظفين الذين تسرَّب لهم الملل وأجبرتهم الحاجة إلى البقاء في وظائفهم، رغم ما يشكله بقاء الموظفين غير المتفاعلين والمتفانين في أعمالهم من تعطيل لتقديم الدولة لخدمات أفضل لمواطنيها ولإنتاج خدمي وتقدُّم أفضل على كافة الصعد، بل إن الدولة تدفع ثمناً باهظاً لعدم رضا المواطنين عن الأداء الحكومي بسبب وجود هؤلاء الموظفين المتقاعسين عن أداء أعمالهم كما يجب.
8 - تغيير نظام مؤسسة التقاعد بما يتوافق مع المقترحات التالية واستكمالاً للمشروع من كافة جوانبه:
أ - يتم فصل مؤسسة التقاعد عن ميزانية الدولة كجهة مستقلة بإيراداتها ومصروفاتها بحيث لا تدخل تلك المصروفات أو الإيرادات بميزانية الدولة والعكس، وتظل الدولة تراقب هذه المؤسسة وتدعمها دعماً مالياً سنوياً دعماً رمزياً أو أكثر من رمزي - إذا وُجِد أنها بحاجة لمثل هذا الدعم - بحيث يحقق ذلك الدعم شيئاً من التوازن في مدخولاتها ومصروفاتها، ضماناً لمصلحة المتقاعدين الذين ضمنتهم الدولة بنظام مؤسسة التقاعد.
ب - يتم اختيار كبار موظفي مؤسسة التقاعد تماماً مثلما يتم اختيار موظفي الهيئة الملكية للجبيل وينبع أو وزارة المالية على سبيل المثال وبعناية أكثر من فائقة، وبشكل دوري بحيث يتم ضمان فاعلية نجاح هذه المؤسسة من خلال تلك القيادات الناجحة لهذه المؤسسة الحيوية لأمن واستقرار الوطن والمواطن.
ج - يخصص جزء كبير من صندوق الاستثمار الخاص بالمؤسسة بالمشاريع العقارية الرابحة بعيدة المدى، وبالمشاريع العالية الربحية، بحيث يضمن - بإذن الله - الأرباح الكافية للموظفين المتقاعدين الذين سيُلاحظ أنه ستزداد أعدادهم كما ستزداد سنوات الصرف عليهم مع هذا المشروع الجديد للتقاعد المبكر الذي نحن بصدد طرحه.
د - تدعم الدولة المؤسسة مع بداية المشروع دعماً مادياً كبيراً استعداداً لفصل المؤسسة عن ميزانية الدولة إن كان لا يزال هناك بقية من روابط، بما يتناسب مع متطلبات مشروع هذا الفصل وتكاليفه المتوقعة وكأن الدولة تقوم بما يشبه تصفية حساب مع المؤسسة بحيث تجعل منها مؤسسة قادرة على البقاء والاستمرار، دون دعم كبير من الدولة مستغلة الظروف الآنية الطيبة والقوية للدولة في هذا العقد تحسباً لأي أزمات طارئة بالمستقبل.
9 - يلاحظ أن هذا النظام التحفيزي يفترض أن ينص على أنه لا يستفيد من هذا النظام وبشكل مطلق سوى الذين يقدمون على التقاعد التحفيزي المبكر فقط دون غيرهم وبأي شكل من الأشكال.
فوائد النظام التقاعدي التحفيزي
وأوضحت الدراسة أن هناك العديد من الفوائد التي ستتحقق للدولة من هذا النظام وهي كالتالي:
1 - القضاء على بطالة ما يزيد 40000 شاب من الجنسين البنين والبنات وتأمين وظائف لهم.
2 - تجديد شباب العمل والقدرة الإنتاجية بضخ هذه الدماء الجديدة للعمل بدلاً من أولئك الذين استهلكوا وأصبحوا كلاً وعبئاً على العمل.
3 - لن تخسر مؤسسة التقاعد الكثير بل سيكون ذلك حافزاً لها على استثمارات أكثر فاعلية ونجاحاً وأعلى ربحية إلى جانب وقوف الدولة إلى جانبها بدعم أكثر من رمزي.
4 - والأهم سيعم الرخاء وسيقضي على البطالة وسيتم تأمين الوطن من حيث الأمن الوطني بالقضاء على أسباب الإخلال به كالبطالة والفقر والفراغ.
5 - ستوفر الدولة من قيمة رواتب المعلمين القدامى حوالي ثلاثة مليارات ونصف المليار ريال سنوياً، وبهذا يكون نظام التقاعد التحفيزي قد حقق وفراً للدولة في هذا المجال.
6 - يمكن للدولة دراسة ربط الإنتاج المتدني للمعلم وذلك بعد خدمة 20 سنة، بإحالته إجبارياً على التقاعد التحفيزي لإجبار الجميع على العمل الجاد والمخلص.
بالإمكان إجراء استفتاء حول زيادة نسبة ما تأخذه مصلحة التقاعد من الموظف (المعلم - العسكري) زيادة طفيفة غير مؤثرة كنسبة 10% مما تأخذه حالياً أي أن المعلم الذي هو في المستوى الخامس الدرجة العاشرة على سبيل المثال تأخذ منه مصلحة التقاعد حالياً كتقاعد (1030) ريالاً مثلاً.. يُمكن للمصلحة أن تزيد مما تأخذه من هذا المعلم بنسبة 10% أي بحدود (103) ريالات ليصبح الإجمالي (1133) ريالاً بدلاً من (1030) ريالاً سابقاً، وهو ما يعني ضخ مزيد من الدعم للمصلحة بحيث يساعدها على ضغوط المستقبل ومواجهة أي تهديدات محتملة ولو كانت تلك التهديدات بنسب ضئيلة دون تأثير كبير على المعلمين، وقد يُربط مثل هذا الاستفتاء على هذه الزيادة فقط على من يريد التقاعد قبل عشرين سنة كخمس عشرة سنة مثلاً.