* د. حسن الشقطي *
دخل سوق الأسهم هذا الأسبوع من جديد في موجة هبوط قوية أدَّت إلى كسره لمستوى الـ7000 نقطة بعد فترة من التماسك فوقها؛ فقد أغلق المؤشر هذا الأسبوع عند 6988 نقطة في وقت أسّس فيه لقاع جديد عند 6855 نقطة، وهي نقطة غادرها المؤشر في يناير عام 2004م، وهو الأمر الذي بدأ يثير من جديد مخاوف الوصول إلى قاع غير متوقع لا فنياً أو مالياً، فخلال الشهور الأخيرة وعلى رغم معرفتنا بأننا نمر بمرحلة تصحيح فإن تحرُّك المؤشر كان يتسم بنوع من العقلانية باستثناء حالات كان يحدث فيها سقوط شديد، ومؤخراً توقع البعض أن المؤشر قد أنهى فترات السقوط، وأن نزوله التدريجي اعتاد عليه المستثمرون، إلا أن ما حدث يوم الأربعاء الماضي أعاد للأذهان تاريخ الانحدارات الكبيرة لمؤشر السوق.. فهل هناك تغيرات في مخططات المؤشر لنفسه، أم أن السوق لا يمكنه العيش دون أنعام وبيشة، أم أن هناك مخاوف من امتداد أزمة تعليقهما إلى شركات خاسرة أخرى، فضلاً عن أن الإعلان عن قرب الموافقة على نظام الشركات الجديد الذي يخفض القيمة الاسمية للشركات إلى ريال واحد بدأ يثير توقعات واسعة بقيعان تقترب من الهللات لعدد غير قليل من الشركات المدرجة في السوق؟
المؤشر يعود إلى مستواه في يناير 2004م عند 6855 نقطة
على الرغم من الخسارة التي مُني بها المؤشر في بداية هذا الأسبوع بفقدانه 71 نقطة إلا أنه استعاد عافيته وربح 20 نقطة يوم الأحد، ثم ربح 101 نقطة يوم الاثنين ليغلق عند 7265 نقطة، الأمر الذي جدّد الآمال بتعويض جزء من خسائره، على الأقل بالعودة إلى مستوى 8000 نقطة، إلا أنه سرعان ما انتكس ثانية بخسارة 108 نقاط يوم الثلاثاء الماضي، ثم الخسارة الأكبر بنحو 169 نقطة يوم الأربعاء، ليغلق عند 6988 نقطة هذا الأسبوع. وإذا كان المساهمون قد اعتادوا على الانخفاضات فإن الجديد هذا الأسبوع هو سقوط المؤشر إلى مستوى 6855 نقطة، فعلى الرغم من ارتداده السريع منها إلا أنها ترسّخ قاعاً جديداً للمؤشر يجدّد المخاوف من ضعفه وكسره لمستوى 6700؛ ذلك المستوى الذي يمتلك المؤشر مقاومة سابقة عنده.
بالتحديد خسر المؤشر هذا الأسبوع 3.2%؛ أي 228 نقطة، وإذا كانت هذه الخسارة ربما لا تُقارن بمستويات خسارة المؤشر في أسابيع ماضية، إلا أنه منذ هذه اللحظة (لحظة السقوط تحت 7000 نقطة) فإن كل نقطة ستمثل ألماً ومعاناة؛ لأنها ستشكل تآكلاً في الكثير من المحافظ الاستثمارية التي وصلت قيمة رؤوس أموالها إلى قيم العمولات البنكية في الماضي.
لماذا تتهاوى مستويات مقاومة المؤشر بهذه السهولة؟
يتساءل الكثيرون الآن: كيف يمكن أن تتهاوى مستويات المقاومة التي كانت محل الثقة في السابق بهذا الشكل الهزيل؟ هل هي لضعف المقاومة أم لقوة ضغط المؤشر؟ وإذا كان السبب قوة ضغط المؤشر فمَن يقف وراء هذا الضغط المريب؟ فنتائج أعمال الشركات تثبت يومياً أن نتائج الأعمال لكثير من الشركات، وبخاصة القيادية منها التي يُفترض أنها هي التي تقود السوق، تشير إلى نتائج إيجابية، بل أفضل أداءً من ذي قبل، فإذا كانت الشركات والسوق والقوانين والإجراءات الآن أفضل كثيراً منها في بداية عام 2006م فلماذا تتهاوى مقاومات المؤشر؟ هل نتيجة احتكار الكبار أم نتيجة خروجهم؟ إذا كنا نعزو بعض حالات النزول في الماضي إلى وجود الاحتكار من جانب كبار المضاربين أو القروبات في حالات العديد من الأسهم فإن الوضع الحالي لا يمكن تفسيره بالاحتكار بقدر ما يميل إلى وجود حالات خروج، فحتى معنى تجميد المحافظ الآن أصبح غير منطقياً؛ لأن الجميع يعلم أن تجميد محفظة لمدة شهر في السوق الآن يعني خسارة صافية في قيمة المحفظة، ومن ثَمَّ فإن التفسير الأكثر منطقية هو خروج سيولة محافظ كبيرة تتهاوى معها المقاومات الحصينة للمؤشر، ولكن ينبغي توضيح - وبخاصة لمن يعوّلون على هذه المقاومات كثيراً - أن هذه المقاومات كانت تشكل مقاومات في الماضي، ولا يوجد ما يضمن أن تكون كذلك في الحاضر، وبخاصة مع التغيرات الكبيرة التي شهدها السوق والشركات خلال العشرة شهور الأخيرة.
القطاع الزراعي يخسر
62% في 3 شهور
يوجد هناك اختلاف كبير بين أداء القطاعات على مدى الشهور الثلاثة الأخيرة؛ ففي حين حقّق القطاع الزراعي خسارة بنحو 62% فقد استقر نسبياً قطاع الأسمنت ولم يخسر سوى 11.2% فقط، وهو أفضل معدل نزول نسبي في السوق. أيضاً من اللافت للانتباه حجم الخسائر الملحوظ للقطاع البنكي الذي خسر منذ بداية العام (24 يوماً) نحو 18% من قيمته. إن أداء القطاعات في الثلاثة شهور الأخيرة تشير إلى قرب انتهاء تصحيح بعضها، في حين أن بعضها الآخر لا يزال في أوج تصحيحه.
آثار القرارات الجديدة بتعليق تداول أسهم شركتي أنعام وبيشة
قرارات تعليق أسهم شركتي أنعام وبيشة تتجاوز الآثار التي قد يتصوّر البعض أنها تصل إلى جمود أسهم شركات خاسرة في السوق؛ فهاتان الشركتان ليستا شركتين عاديتين، بل هما على رغم خسائرهما الكبيرة من شركات دينامو السوق، فلا يخلو أسبوع تداول من إحرازهما (أحدهما أو كليهما) أعلى نشاط، ثم إن خسائر هذه الشركات ليست وليدة اللحظة أو طارئة، وإنما تمتد إلى نتائج مالية سابقة.. فهل أصبح السوق أفضل حالاً لكي يستوعب صدمة جديدة بتجميد شركات يعدُّها البعض منشطات السوق؟
إن تعليق سهمي أنعام وبيشة يعني أن نحو 2.4 مليار ريال من أموال المساهمين في السوق قد تم تجميدها، وفي ظل الافتراض القوي بأن هناك عشرات الآلاف من المحافظ تركز على المضاربة في هذين السهمين يتضح بُعد خطير لأولئك المستثمرين الذين يقومون باستثمار أموال الغير، سواء بأجر أو دون أجر، رسمياً أو غير رسمي، أو أولئك الذين يعتمدون على تمويل استثماراتهم بالاقتراض أو أصحاب الشركات الذين يضاربون بالسيولة النقدية لشركاتهم ويعتمدون على عوائد المضاربة في هذه الأسهم المعلقة في تدبير احتياجات شركاتهم؛ كل هذه الفئات من المتوقَّع أن تواجه أزمات سيولة طاحنة نتيجة انقطاع مدد المضاربة في شركتين كانتا تعدّان من أعلى الشركات مضاربة في السوق (حسب ما يُقال).
كل ذلك يثير التساؤل حول هيئة السوق المالية بتعليقها لهذه الشركات.. هل عاقبت تلك الشركات أم عاقبت المساهمين فيها؟ إن رسالة الهيئة بتعليق هذه الشركات قد تضرّ أيضاً بمصالح (لسوء الحظ) المساهمين في هذه الشركات كما تضرّ بمصالح الشركات نفسها، فهل قرار التعليق أدَّى إلى فقدان هذه الشركات شيئاً ملحاً أو تسبّب في خسارتها خسارة مباشرة؟ بالطبع لا يظهر ذلك (باستثناء آثار غير مباشرة على المدى المتوسط والبعيد)، ولكنّ المساهمين هم المتضررون: محافظ مجمَّدة، سيولة راكدة، أعباء ديون لا يعلم بها إلا أصحابها، فضلاً عن الكثير والكثير. إن أيّ شركة يتم تعليق أسهمها ستخسر رئيسياً القدرة على تمويل مشروعات جديدة أو زيادة رأس مالها، فهل هناك ما يضمن أن هذا التعليق سيفقد هذه الشركات شيئاً ملحاً يجعلها تسعى باجتهاد لتعديل أوضاعها، أم أن التعليق قد يكون أراح هذه الشركات من صداع نتائج الأعمال والمتابعة والشفافية وغيرها؛ فهي خاسرة ومكبَّلة بالخسائر؟ إننا لا يمكن أن ننادي بعدم طرد الشركات الخاسرة، ولكن نأمل التفكير في كيف لا يكون التعليق عقاباً للمساهمين الذين لا ذنب لهم حتى مع معرفة أنهم هم الذين أقبلوا على الاستثمار فيها على رغم معرفتهم بأنها شركات غير رابحة، بل إن نسبة الـ75% التي إذا بلغتها خسائر الشركة يحق تعليق أسهمها تعد نسبة مرتفعة تزيد من مخاطر الاستثمار في السوق، فينبغي تخفيض هذه النسبة إلى ما دون الـ50%، كما ينبغي تصميم آليات للكشف عن الشركات التي تقترب نسبة خسائرها من الـ50% وإعلام المساهمين صراحةً بذلك؛ فالآن يوجد جدل كبير حول الشركات الأخرى المؤهلة للتعليق، هذا الجدل نتيجة تباين حسابات الخسائر للشركات من محلّل لآخر.
لماذا لا يتم إنشاء سوق الصفقات للشركات المطرودة من السوق؟
تجربة السوق المصري في طرد الشركات غير المرغوبة وغير المنصاعة لتعليمات الهيئة خارج السوق قد تكون أفضل من الوضع الحالي في السوق المحلي؛ فالسوق المصري مقسّم إلى ثلاث أسواق: سوق داخل المقصورة (سوق الداخل)، وخارج المقصورة (سوق الخارج)، وسوق الصفقات. فالشركات التي تخالف تعليمات وقواعد الهيئة يتم طردها إلى سوق يُعرف بسوق الصفقات، ذلك السوق الذي يصعب فيه تنفيذ الأوامر، حيث يتطلب تنفيذ البيع والشراء التوافق ووجود البائع والمشتري، وهو أمر صعب ويندر حدوثه، ومن ثَمَّ يسبّب هذا السوق شبه جمود لأسهم الشركة. لكن مع ذلك فإنه يبقي فرصاً لتحرك السيولة بعيداً عن الجمود التام.
القيمة الاسمية للسهم من 50 ريالاً في يناير الماضي إلى ريال واحد
تتوالى القرارات والتعديلات على سوق الأسهم بشكل مثير وغير متوقع، آخرها ترقُّب تخفيض القيمة الاسمية للسهم إلى ريال واحد في نظام الشركات الجديد، فمن 50 ريالاً في فبراير عام 2006م إلى 10 ريالات في إبريل 2006م إلى ريال واحد في يناير 2007م. بالطبع يوجد خطط استدعت تلك التغيرات الخطيرة. وعلى رغم أن تخفيض القيمة الاسمية لن يكون لها آثار على قيمة السهم؛ لأن السهم الواحد سيقسم إلى عشرة أسهم، فلا تغيّر في محافظ المستثمرين، ولكن هذا التخفيض يمهد لعصر السوق الجديد، سوق ذي أسهم تقل عن 10 ريالات. إن الهدف الرئيس من هذا التخفيض هو التمهيد لتحركات أسعار الأسهم إلى ما دون الـ10 ريالات، بل إن سوق أبو ظبي ليس ببعيد، وتتداول فيه أسهم عديدة بأسعار نحو الدرهم أو الدرهمين.
أخيراً، فإنه من المستغرب أن يصل مكرّر ربحية السوق الآن إلى 14.3 مرة بعد طول زمان.
* محلل اقتصادي ومالي
Hassan14369@hotmail.com