أعدت قراءة الخبر الذي نشرته (الجزيرة) على صفحتها الأخيرة الموسوم بـ(900 مليون.. حوالات 5 أشهر لـ 19 متسولاً) أكثر من مرة، ثم عدت لاتفحص عينيّ وأتأكد من أنهما تبصران كما يجب، وأسأل من حولي عن نتائج الاختبارات السريعة التي أجريتها عليها على عجل؛ وبعد أن تأكدت من سلامة نظري، وصحة الخبر الذي نقله الأخ أحمد حكمي من جده أطنبت في التفكير وحاولت أن أربط بين ملايين التسول (المنهوبة)، وأوضاع الفقراء المحتاجين للصدقات.
أعود لتفاصيل الخبر (الصاعقة) الذي جاء فيه أن بعض المصادر الرسمية قد (قدرت قيمة الحوالات التي رصدت، وهي حصيلة 19 متسولاً خلال 5 أشهر، بنحو (900) مليون ريال وكانت شرطة جدة قد تمكنت من القبض على المتسولين، وهم من الجنسية الإفريقية وعددهم (19) متسولاً في مواقع متفرقة في جدة، وكشفت التحقيقات التي أجريت معهم أن الإعاقات والتشوهات التي تحملها أجسادهم هي من صنع ذويهم، إذ يقومون بدفع مبلغ (100) ريال سعودي لأطباء ليقوموا بقطع أيديهم أو أرجلهم بغرض إثارة الشفقة، ومن ثم يتم إرسالهم إلى المملكة لغرض التسول وقد عثر بحوزتهم إضافة إلى المبالغ الكبيرة على عدد من الجوالات لا تقل قيمتها عن 1200 ريال).
ففي الوقت الذي تعاني فيه الهيئات نقصاً حاداً في الدعم الشعبي، وتشتت الجهود الإغاثية وعدم تنظيمها، على الرغم من الدعم الحكومي اللا محدود، نجد أن هناك تسعة عشر إفريقياً، ولعلهم يكونون من متخلفي الحجاج، قادرين على إدارة مناطق الحرم، ومدينة جدة، وتقسيمها إدارياً، وتنظيم عمليات التسول فيها بكل كفاءة واقتدار مما ساعدهم على جمع أكثر من 900 مليون ريال خلال خمسة أشهر فقط، أي أنهم يمتلكون القدرة على جمع ما يقرب من ملياري ريال سعودي خلال عام واحد، وهو ما يعادل أرباح أحد البنوك السعودية للعام 2006!! تسعة عشر متسولاً قادرون على تحقيق إيرادات مالية سنوية من العدم تعادل في مجملها الأرباح السنوية المحققة لبعض البنوك السعودية ذات الرساميل الضخمة.
خبر الجزيرة الصاعقة ينبغي أن تقرؤه الجمعيات الخيرية وكل من يتهاون في ردع هؤلاء المتسولين بدواعي الشفقة والرحمة، وأن يقرؤه العلماء والوعاظ، وخطباء المساجد، والمتصدقون على من لا يستحقون الصدقة لأنهم يساهمون في نشر الجريمة واستغلال الأطفال وبتر أعضائهم بغرض التسول من خلال صدقاتهم التي تشجع المتسولين على البقاء والتكاثر، وكذلك مانعو الصدقات والمتقاعسون عن إيصالها لمستحقيها، والكتاب وأهل الفكر، جميعنا مسؤولون أمام الله عمّا يحدث لفقرائنا المعدمين الذين يكابدون الجوع، ويفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، في الوقت الذي يتنعم فيه المتسولون والمتخلفون بخيرات هذه البلاد الطيبة، بمساعدة الجميع وإن كان عن غير قصد.. نحن مسؤولون عن التقصير في خطط مكافحة الفقر، وإدارة جمع التبرعات التي أجاد في استغلالها بعض المتسولين.
ما جمعه المتسولون التسعة عشر لا يعدو أن يكون جزءاً من مشكلة تسول المتخلفين وغير السعوديين الضاربة بجذورها في مناطق المملكة، وفي مناطق الحرم على وجه الخصوص، كما أنهم يمثلون مجموعة واحدة من مجموعات أخرى أكثر تنظيماً ومقدرة على جمع مليارات الريالات في مدد زمنية قصيرة حارمة بذلك مستحقيها من فقراء هذه البلاد الطيبة.. أموال ضخمة جمعت من ريالات قليلة وبطريقة منظمة يمكن أن تمول مشاريع الفقر في أكثر المناطق حاجة وعوزاً.
(*)f.albuainain@hotmail.com