وصف اللواء د. محمد فتحي عيد مدير عام الشؤون التعليمية، وعضو هيئة الدراسات العليا بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ظاهرة غسل الأموال بغير الأخلاقية وذات بعد عالمي، أسهمت التطورات الحديثة في تفاقمها وزيادة رقعتها، مما يحتم وجود تعاون دولي لمكافحتها، كون أضرارها تتخطى الحدود الإقليمية لتمس الاقتصاد العالمي.
جاء ذلك خلال مشاركته في محاضرة استضافتها غرفة الشرقية أمس الأول،
وأوضح اللواء د. عيد أن مفهوم غسل الأموال حديث نسبياً، ويقصد به أي عملية من شأنها إخفاء المصدر غير المشروع، الذي اكتسبت منه الأموال، مبيناً أن هذا التعريف على بساطته يغطي كافة الأفعال التي يلجأ إليها المجرمون لتمويه المصادر غير المشروعة لإيراداتهم.
وأضاف: ورغم أن غسل الأموال مصطلح نبت في عالم الاتجار غير المشروع بالمخدرات، إلا أنه ما لبث أن امتد إلى غسل الأموال الآتية من الجرائم التي تدر مالاً من جرائم الفساد، وقال د. عيد: إن غسل الأموال في النظام السعودي جريمة مؤثمة، ويحددها النظام ويصفها بأنها (ارتكاب فعل أو الشروع فيه، يقصد من ورائه إخفاء أو تمويه أصل وحقيقة أموال مكتسبة خلافاً للشرع أو النظام وجعلها تبدو كأنها مشروعة المصدر)، حيث اكتفى المشرع السعودي بذكر الفعل المثمر للمال عن طريق جريمة مخالفة للشرع، والتي ينطوي تحتها العديد من الجرائم.
وأشار إلى أن المملكة تتخذ من الشريعة الإسلامية دستوراً لها، والشريعة الإسلامية تحمي حقوق المتهمين، فمن باب أولى أن تحمي حقوق رجال الأعمال الشرفاء.
واستعرض أهم معالم نظام المكافحة في المملكة، والتي تتمثل في تجريم أفعال إخفاء أو تمويه المال المتحصل من الجريمة، وتشكيل لجنة دائمة لمكافحة غسل الأموال للتنسيق بين الأجهزة العاملة في مجال الغسل على المستوى الوطني، وخاصة في مجال تبادل المعلومات وهي مكونة من ممثلين لوزارة العدل، ووزارة الداخلية، ووزارة التجارة والصناعة، ووزارة المالية، وهيئة التحقيق والادعاء العام، ومؤسسة النقد العربي السعودي، ومصلحة الجمارك، وهيئة سوق المال.
وذكر أن النظام في المملكة عاقب مرتكب جريمة غسل الأموال بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، وبغرامة مالية لا تزيد على خمسة ملايين ريال، أو بإحدى العقوبتين مع مصادرة الأموال والممتلكات والوسائط محل الجريمة، وتكون العقوبة بالسجن مدة لا تزيد على 15 سنة، وغرامة مالية لا تزيد على سبعة ملايين، إذا ارتكب الجاني الجريمة من خلال عصابة إجرامية منظمة، أو استخدم الجاني العنف والأسلحة، أو شغل وظيفة عامة واتصل بالجريمة بهذه الوظيفة، أو ارتكاب الجاني الجريمة مستغلاً سلطاته ونفوذه المستمدة من الوظيفة، وكذلك التغرير بالنساء والقصر أو استغلالهم، أو ارتكاب الجريمة من خلال مؤسسة إصلاحية أو خيرية أو تعليمية أو في مرفق خدمة اجتماعية، أو صدور أحكام محلية أو أجنبية سابقة بالإدانة بحق الجاني بوجه خاص في جرائم مماثلة، مشيراً إلى أن النظام ينص على أن للمحكمة أن تعفي من العقوبة مالك الأموال أو الممتلكات أو حائزها أو مستخدمها، إذا أبلغ السلطات بمصادر الأموال أو الممتلكات وهوية المشتركين في الجريمة دون أن يستفيد من عائداتها.
وذكر أن غسل الأموال يسهم في إيجاد ما اصطلح عليه بالاقتصاد الموازي أو الاقتصاد الخفي، أو الاقتصاد التحتي، وكلها أسماء متعددة للقوة الاقتصادية المتحصلة من الجرائم وناتج المعاملات التجارية والمالية والاقتصادية التي تتم دون علم السلطات الوطنية، وهذا الاقتصاد الخفي يؤثر في اقتصاديات الدول كما يؤثر في الاقتصاد الدولي.
وأكد أن اقتصاديات مال الجريمة ليست قضية محلية فقط، بل هي قضية عالمية لأن هذه الأموال تتحرك عبر الدول سعياً وراء التمويه والاستثمار الجيد بعيداً عن احتمالات الضبط والمصادرة، مستفيدة من الثغرات في التشريعات الموضوعية والإجرائية واللوائح المنفذة لها ومن ثم فإن الإدارة الجماعية للدول ضرورية لمحاربة غسل الأموال.
وذكر بأن دخل الجريمة يقدر بأكثر من ثلث الناتج القومي لكل دول العالم، ويذهب جزء من هذا الدخل لاستخدامه في التأثير في ضعاف النفوس من العاملين في مجال مكافحة الجريمة في تسهيل القيام بالعمليات الإجرامية، ويستخدم جانب من هذه الأموال في توفير أكبر قدر من الرفاهية للمجرمين الذين يودعون في السجون، بل وتسهيل هروبهم منها. وشدد اللواء عيد على أن التعاون الدولي في مجال مكافحة غسل الأموال أمر حتمي وضروري لجميع الدول.
أما عن المتغيرات التي طرأت على ظاهرة الغسل فقد أورد اللواء عيد عدداً من هذه المتغيرات أبرزها سرعة النقل الدولي وارتفاع وتيرة الاستيراد والتصدير بين الدول وزيادة استخدام الحاويات في نقل السلع المشروعة ومن ثم استخدامها في نقل المهربات، وتطور الشبكات المالية العالمية مما جعل من تنظيم ومراقبة التدفقات المالية عبر الحدود أمراً صعباً، فالنقود من أكثر السلع قابلية للاستبدال ويمكن تحويلها في التو واللحظة ولا يمكن اقتفاء أثرها إلا بعناء كبير، إضافة إلى بروز بعض المدن كمراكز رئيسة للنظام الاقتصادي الدولي والتي يمكن أن تستخدم كمراكز لإعادة شحن السلع غير المشروعة، فضلاً عن تطور وسائل الاتصالات التي أدت إلى بروز سوق عالمية يحصل فيها المستهلكون على المعلومات بشأن السلع والخدمات المشروعة وغير المشروعة في جميع أنحاء العالم.
ومن التطورات الحديثة على صعيد الحرب ضد ظاهرة الغسل تشكيل لجنة (فاتف)، وتحولها من لجنة مؤقتة لوضع التوصيات إلى كيان دائم له وجود في جميع أنحاء المعمورة، وله تأثير ملموس وفعال في حياة الدول، نظراً لدورها في رصد تنفيذ الدول لتوصياتها عن طريق التقييم الذاتي والتقييم المتبادل، فأصبحت للجنة كيانات إقليمية.
وأشار اللواء عيد إلى أن اللجنة قدرت حجم الأموال المغسولة ما بين 700 إلى 1500 مليار دولار سنوياً.
وكان الأمين العام لغرفة الشرقية عبد العزيز العياف قد ألقى كلمة حذَّر فيها من خطورة ظاهرة غسل الأموال على حركة اقتصاديات الدول، داعياً إلى جهد عالمي واسع لمقاومة الظاهرة، وتنفيذ العديد من البرامج التوعوية في هذا السبيل.
من جانبه استعرض مدير عام إدارة مكافحة المخدرات بالمنطقة الشرقية عبد الله بن عبد الرحمن الجميل بعضاً من جهود إدارته في مقاومة الظواهر السلبية الطارئة على المجتمع السعودي، مثل ظاهرة إدمان المخدرات وترويجها وظاهرة غسل الأموال.