لم أكن شاهدا يوم أن فجع أخونا الأكبر الشيخ ثنيان بن فهد الثنيان بولده الشاب عبدالعزيز إثر حادث مروري أليم.
وكنت حين أعود من سفر تكون وجبتي الأولى استعراض الصحف التي صدرت أثناء غيابي.
ويوم أن تصفحتها علمت بالحدث الأليم، فلم أجد بداً من تلافي الموقف والترحم على الفقيد والدعاء للمفجوع بحسن العزاء وجبر المصاب وأن يخلف الله عليه خيرا منه.
لقد تذكرت قول الرسول في العزاء بالخليفة، وتذكرت قول راوية الحديث (أم سلمة) ومن خير من (أبي سلمة) وعرفت أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى مثلما عرفت (أم سلمة) يوم أن حسم ترددها بزواجه منها وهو بلا شك خير من (أبي سلمة) الشيء الذي ذكرني بهذا كله ذلك الذكر الجميل الذي كسبته الأسرة وبالذات والد الفقيد، فلقد أجمل الناس في الثناء والدعاء، واقتسم المصاب الأمراء والعلماء والوزراء والكتّاب ورجال الأعمال والإعلام.
(والذكر للإنسان عمر ثاني)
حتى أن الأمير الشهم الإنسان (سلمان بن عبدالعزيز) زار الأسرة للمرة الثانية.
إنني في الوقت الذي أشاطر فيه الأسرة بالألم أغبطها على هذه المحبة وصدق الرسول (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم) أو كما قال. لقد كان الشيخ ثنيان باسما أبداً وبشوشاً أبداً وسباقاً إلى من يلقى يهديهم السلام ويدعوهم إلى منزله ويتبسط معهم بالحديث حتى تظن أنه صديق طفولة، ومن ثم أحبه الناس، وحين ألمت به هذه المصيبة أقبل بجني ثمار ما زرع. لم أكن أعرف نجليه ولكنني أثق كل الثقة أن مدرسته لن تنجب إلا الطيبين مثله، لقد رحل الشاب إلى رب رحيم وخلف أباً مفجوعاً وأسرة متألمة وأصدقاء ومعارف مفجوعين، ولكنهم جميعاً لا يقولون إلا ما يرضي ربهم: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} ليكسبوا صلوات الله ورحمته وهدايته، فله سبحانه ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بمقدار.
ومن طيبة الطيبة وفي غمرة الروحانيات الإيمانية ومن البقاع الطاهرة ومن جوار قبر الرسول وصاحبيه أبعث هذه التأوهات والدعوات الصادقة، سائلا المولى أن يجعل الفقيد رفيقا للشهداء والصالحين، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
وإذا كنت قد حزنت للمصاب الجلل فقد خفف من مرارة الألم هذه الظاهرة المبهجة، ظاهرة الإجماع على محبة الأسرة ومشاطرتها أحزانها من كل شرائح المجتمع، وإذا كان الموت يقينا وحقا ومصيرا لكل حي، فإن تبعاته وملابساته تختلف من شخص لآخر؛ فهي إما أن تكون ثروة معنوية لا تقدر بثمن، أو لا تكون، وأسرة الفقيد قد ظفرت بالثناء والحب والمشاطرة، وهذا تمكن يسلي ويعزي، وعلى كل الأحوال فإن القلب يحزن والعين تدمع والفقد بهذا السن وبتلك المفاجأة ليس سهلا، ولكن المؤمن الصابر المحتسب لا يقول إلا ما يرضي الله، وأثق أن الشيخ ثنيان من أولئك النفر الذين يستقبلون القضاء والقدر بنفس راضية؛ طمعا في مثوبة الله والتزاماً بحدوده.
وإذا كان قد فقد ولداً من صلبه فقد اكتشف الآن الأولاد الذين أنجبتهم الأخلاق الفاضلة والسيرة الحميدة، والناس شهود الله في أرضه، ومن أوفى من الله في عهده، ولا شك أن الثناء المجمع عليه من المبشرات، وإذ لا يكون الخلود بمستطاع، فإن من لم يمت في شبابه سيموت في شيخوخته، وكل نفس ذائقة الموت، والله وحده المسؤول أن يجعل في وحيده البركة، وأن يكون له كألف ولد.