Al Jazirah NewsPaper Wednesday  10/01/2007 G Issue 12522
محليــات
الاربعاء 21 ذو الحجة 1427   العدد  12522
أنت
دفاعاً عن وزارة للثقافة
م. عبدالمحسن بن عبدالله الماضي

تتعالى بعض الأصوات ضد قيام وزارة مستقلة للثقافة في المملكة.. وحجتها في هذا الرفض أن الوزارة سوف تكون وسيلة لقولبة الثقافة.. وحتى أبدأ مرافعتي ضد هذا الرأي اسمحوا لي أولاً أن أذكر وسيلة أخرى لقولبة الثقافة.. ليس دعماً لتهمة القولبة بل لإثبات أنه من الخطأ رفض تسعة أعشار الصحيح خوفاً من الوقوع في عشر الخطأ.. حيث يمكن أن تتم قولبة الثقافة من خلال عدة مسارات وبواسطة عدة جهات.. ومنها مثلاً مسار صناعة الثقافة بواسطة المؤسسات الثقافية الحكومية.. مثل مكتبة الملك عبدالعزيز العامة ودارة الملك عبدالعزيز.. وأوردهما هنا بالاسم لأنهما حسب علمي واطلاعي من أنشط إن لم يكونا أنشط مؤسستين ثقافيتين ليس على المستوى المحلي فقط بل على المستوى العربي.. أقول أوردهما بالاسم وإلا فإن مسارات القولبة تمر من خلال كل الجهات الثقافية الحكومية أو شبه الحكومية.. ولا غرابة في ذلك فهؤلاء هم بمجموعهم منتجو الثقافة الأكبر في المملكة.. وبالتالي فبصمتهم على اتجاه الثقافة وتأثيرهم على نموها أو ضمورها يمر في مفصله الأول من خلال المشرف العام عليها أو الأمين العام لها وهذا أمر طبيعي وفق الممارسات والإجراءات الحكومية.. فهل يرى أصحاب هذا الرأي إلغاء تلك المؤسسات الثقافية النشطة انطلاقاً من رفضهم لوزارة الثقافة خوفاً من قولبة الثقافة؟

في ظني أن الذي يخشاه كثيرون أن تتحول الوزارة من خدمة الثقافة إلى الرقابة على الثقافة.. وهذا خوف مشروع لا شك في ذلك.. لكن القضية أن المجتمع السعودي يعيش اليوم أقوى حالات الحراك الاجتماعي في مجالاته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. وهو على مقعد القيادة لربع سكان العالم دينياً وبالتالي ارتباطهم به عاطفياً.. وهو على أرض تختزن في جوفها ثلث الطاقة في الكرة الأرضية.. وهو مجتمع فتي لديه البنية التحتية شبه مكتملة ويحظى بحكومة مدنية غير قمعية.. وهو يعيش اليوم فرصة تاريخية تعد بالانطلاق في النمو والتنمية بشكل لم يتوافر لغيره.. بكل هذا فإن وزارة الثقافة التي نبتغيها هي التي تنظم وتحفز وتشجع وتبادر وتعد وتشارك في تجهيز بيئة العمل وفي التخطيط والتوجيه ورسم المراحل.. فمثل هذا المجتمع يحتاج إلى مثل تلك الوزارة.

ولعل المتابع للظاهر من مجريات الأمور يرى أن نصف الوزارة التي حظيت بها الثقافة تحوز اليوم على أغلب نشاطات وفعاليات الوزارة.. ولا ندري هل ذلك بسبب توجه الوزير الثقافي أم هو توجه سياسي بتحويل الوزارة شيئاً فشيئاً إلى وزارة للثقافة فقط؟.. لا أدري.. لكني من هؤلاء الذين يرون الحاجة الماسة إلى قيام وزارة مستقلة للثقافة ومبررات ذلك هي:

1- التنظيم والتحفيز وإعداد بيئة العمل الثقافي مهام رئيسية لوزارات الثقافة.. فالثقافة صناعة لها ارتباطات عديدة تبدأ من بيئة المجتمع الذي تنشط فيه وتمر بالإبداع ذاته ومن ثم الإنتاج والتوزيع والتسويق.. وتنتهي بجوائز التحفيز وإعداد وتنسيق الخطط الاتصالية بثقافات العالم التي تقوم على مشاريع الترجمة.. وهذه مهمة وطنية تناط بجهات متعددة ينسق فيما بينها ويقود دفتها وزارة للثقافة.

2- مكتبة الملك عبدالعزيز العامة ودارة الملك عبدالعزيز.. الأولى أنشأها ويقوم عليها الملك عبدالله والثانية تحت رعاية كاملة من الأمير سلمان.. كيف سيكون حالهما بعد عمر طويل؟.. هل ستنطفئ المكتبة وتعود الدارة كما كانت قبل التزام الأمير سلمان بها ورعايته لها؟.. إذاً الأمر ملح لاستباق الأمور والتخطيط للقادم من عمر وطن سوف تمتد حضارته إن شاء الله أجيالاً بعد أجيال.

3- الآثار والمتاحف كانت جزءاً من وزارة التربية والتعليم.. ثم صدر قرار بضمها إلى هيئة السياحة منذ ثلاثة أعوام تقريباً لكنه لم يفعّل حتى الآن.. والحقيقة أن الآثار والمتاحف هي أصول ثقافية بينما السياحة خدمة.. وهي تستفيد منها في تقديم خدماتها تماماً مثل استفادتها من الفنادق والمطاعم والأسواق والحدائق والفنون الشعبية والمعارض التشكيلية والمناسبات الاحتفالية والمهرجانات الثقافية مثل الجنادرية.. بمعنى آخر إن ضم وكالة الآثار والمتاحف إلى وزارة الثقافة هو أقرب للسياق والمنطق الفكري والعملي.

4- إذا كان البند الأول يتحدث عن فكر الوزارة المطلوب والبندان الثاني والثالث عن أصول ثقافية عظيمة مهمة.. فإن هذا البند لابد أن يكون عن أصل الأصل وهو المبدع أو المفكر.. فهو الذي يحتاج إلى رعاية أولاً وثانياً وأخيراً.. فاحتضان المفكر أو المبدع هو احتضان للفكر ذاته والإبداع ذاته.. فمنتجهم يمثل الوسيلة بينما الأصول الثقافية تمثل أدوات تعمل كلها لتحقيق غاية التنمية الاجتماعية.

وأخيراً.. تبقى هذه آراء دافعها حب الوطن وحب قادته وأهله.. والله من وراء القصد.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد