تمر المملكة العربية السعودية بحراك اقتصادي غير مسبوق على المستويين الفكري والسلوكي، فما إن ينقضي مؤتمر يتعلّق بأحد القطاعات الاقتصادية حتى ينطلق الآخر، وما إن ينشر خبر مفرح حتى يليه الآخر، هذا بالإضافة إلى الإنتاج الفكري الغزير وغير المسبوق لمحرري وكتَّاب الشأن الاقتصادي والذي ما تركوا كبيرة وصغيرة إلا وطرحوها للبحث والنقاش.
ولقد توّج هذا الحراك الاقتصادي الفاعل بميزانية غير مسبوقة هي الأخرى لعام 2007م كانت بحق هدية للشعب السعودي من قائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين - أيَّده الله - الذي تبنى أرقى القيم والأفكار والمفاهيم الإنسانية وسعى لتعزيزها بين أفراد المجتمع بشكل عام ومَن هم في موقع المسؤولية بشكل خاص بما يدفع بمسيرة التنمية قدماً من أجل حياة كريمة لكل من يقطن في مملكتنا العزيزة.
ولكن ما يتمناه الجميع أن يكون لدى الأجهزة الحكومية القدرة التنفيذية على تحقيق الأهداف المنشودة لعدم الوقوع في محوري الفساد المالي والضعف الإداري التي تجعل من الإمكانيات المالية الضخمة عبارة عن نتائج متواضعة لا تسمن ولا تغني من جوع بما يصيب المواطن بخيبة أمل.
المواطن الذي رأى بعض بنود مشاريع ميزانية العام الماضي بقيت واقفة بسبب تشابك الصلاحيات وتداخل المسؤوليات بين جهة وأخرى، إضافة لضعف المعارف والمهارات الإدارية لبعض مَن هم في موقع المسؤولية يأمل ألا يتكرر ذلك في هذه الميزانية، كما يأمل في أن يحصل على السكن المناسب في مقتبل العمر لا في أرذله، وأن يحصل على خدمات صحية وتعليمية واجتماعية تتناسب والرخاء الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، كما يأمل أن يحصل على الوظيفة المناسبة لتأهيله بما يحفظ له كرامته ويعزِّز انطلاقته في تحقيق طموحاته، كما يأمل أن يرى المرافق العامة كالطرق والحدائق والمنتزهات والملاعب في أجمل صورة، وهو على يقين بأن ذلك جد يسير، كما يرجو الله أن لا ترتفع الأسعار نتيجة هذا المناخ التفاؤلي. وباختصار فإن المواطن يريد أن يرى تلك الميزانيات تنعكس على مستوى وجودة حياته ومعيشته.
كيف لنا أن نطمئن المواطن؟ كيف لنا أن نعظم نتائج تلك الميزانيات غير المسبوقة؟ كيف لنا أن ندخل الوقت كعنصر مهم وحاسم في عقلية المسؤولين عن الأجهزة التنفيذية؟ كيف لنا أن نجعل المسؤولين يفرقون بين الغاية وهي رفاهية المواطن وبين الوسائل التي جعل بعضهم منها غايات؟ أظن أن ذلك لا يكون إلا بالتنبيه على خطورة الفسادين المالي والإداري معاً، وهذه الآلية يجب أن تكون منهجية وفعَّالة لنعزّز مقاصد قيادتنا النبيلة بمنهجيات سليمة.
وحسب اعتقادي يجب أن تأخذ هذه الآلية مسارين مهمين، الأول هو التخطيط السليم والتطبيق السريع والفعَّال لتأهيل الكوادر الوطنية العاملة في الأجهزة الحكومية فكرياً ومهارياً وتعزيز قدراتهم بالخبرات المحلية والعالمية المتميّزة من أجل رفع كفاءتهم الإنتاجية لتحقيق الأهداف المنشودة، والثاني بوضع آلية متابعة ومساءلة فعَّالة قادرة على الرصد والضبط والإحالة والمعاقبة؛ ذلك بأن المسؤول الذي لا يخاف المتابعة والمساءلة لن يقوم بالأعمال المناطة به إلا ما ندر وهذه حقيقة يعرفها الجميع.
ختاماً لن أخوض في تفاصيل وسائل العلاج، فهذه قضية تحتاج لمقالات ومقالات، ولكن ببساطة يمكن لنا أن نحقّق الأهداف التنموية المتوقعة من هذه الميزانية بربط تقويم الأداء بالخطط التي وضعتها الأجهزة الحكومية والتي على أساسها رصدت لها الميزانيات.
alakil@hotmail.com