ميزة هذا الشهر الفضيل أنه يرغمنا على أن نعود إلى ذواتنا واقعاً وسلوكاً وحتى عضوياً، نرجع إلى كينونتنا البشرية الأصلية البسيطة، تتقزم ذواتنا المحاطة بالأنا الزائفة وما تجر إليه يصبح الواحد منا أرق وجداناً وأهدأ نفساً وأكثر تواضعاً وأوسع صفاء مع ما يحيط في هذا الكون وتلك الميزة - والله أعلم - هي من أفضل معالم رمضان أعاده الله علينا بالخير والفضل والايمان.
ومرحلة الانكفاء على الذات سمة من سمات النفس البشرية نشاهدها في مواقف متعددة مثل المرض والوفاة والحوادث وغيرها من المواقف التي تعيد الإنسان إلى أصله وجذوره وتحضرني هنا قصة لمحمد بن هادي شيخ قحطان الذي قال منتخباً أحد الأيام:
من شافنا بالحلم يقعد من النوم |
ومن شافنا بالعلم بطنه يهله |
تأملوا ذلك الفخر والمباهاة والقوة ومن ثم اقرأوا له تلك الأبيات التي يقولها في آخر حياته بعد أن كبر وأصبح وحيداً:
من أول عندي مقاويم الأشوار |
واليوم أقول العلم ما أحد يشله |
أثر الكبر به للفتى كسرة أعبار |
الميتة أشلا لي اليافات حله |
دنيا تنسينا حلاها بالامرار |
واللي مضى نسيوه ما فات كله |
نعم هذه هي الدنيا نزهو بها وتزهو بنا وفي الختام نعود إلى أنفسنا صاغرين مؤقتاً إذا حدث لنا موقف أكبر منا والله المستعان.
|