الملك عبد العزيز في مصر4-4
* وفي الشطر الآخر من إنشاد الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل، اتجه إلى جلالة الملك عبد العزيز قائلاً:
عبد العزيز إليك الحب يدفعه |
حيّتك منه سماء شاركته هوى |
بالغيث يفتر في الشطآن وابله |
تحية البيد ساق الله فرحتها |
على يديك بشيراً أنت حامله |
والقطر والريح أنسام تزايله |
أم أنها فرحة الإسلام سار بها |
ركب الملكين في شوق يعاجله |
هذا أذان العلا يا شرق فاتحة |
يراع منها غويّ القلب غافله |
* وفي هذه الأبيات أشار إلى المطر الذي تدفق من السماء عند وصول الملك عبد العزيز إلى السويس، فخلع على الجو ندى عاطراً، فقال عنه الشاعر:
والقطر والريح أنسام تزايله |
بالغيث يفتر في الشطآن وابله |
* وقصيدة الشاعر تتطلب تأملاً في استشفاف معانيها؛ لأن محمود حسن إسماعيل يبطن قوله رموزاً شعرية تحتاج إلى صبر واتئاد.
* ونصل إلى الشاعر محمد الأسمر، وهو شاعر مجيد، ينهج نهج شوقي وحافظ ومحرم والجارم، من تلاميذ مدرسة البارودي، التي تعنى بديباجة الأسلوب ورصانة التعبير، وقد أنشد في استقبال الملك عبد العزيز عدة قصائد، وهذا ما جعل خواطره تتفرق في أكثر من موضع، ولو جمع جهده في قصيدة واحدة، مثل علي محمود طه ومحمود حسن إسماعيل وخليل مطران، لأتي بما يضعه في الصف بين القائلين، ولكنه استجاب لأكثر من جهة شاءت أن تحتفل بالعاهل الكبير، ورأت أن يكون - الأسمر - من شعراء الاحتفالات المتكررة.. ولا أقول إنه هبط عن مستواه المعروف، بل أشير إلى ظاهرة شعرية عامة، هي أن تعدد القصائد في موضوع واحد يضائل كثيراً من مقدرة الشاعر، مؤكداً أن ما قاله الأسمر في هذه المناسبة ذو مستوى مشرف، فلم يهبط، ولكنه لم يحلق، وقد أنشد قصيدته الأولى في الحفل الزاهر بقصر عابدين، وحظيت بأن سمعها جمع كبير، وكان زميله في هذا الحفل شاعر الأقطار العربية الأستاذ خليل مطران، وقد أشرت إلى مختارات مما قال.. أما الأسمر فقد افتتح قصيدته بقوله:
يقظان منتبه في الليل ساهره |
ما زال يرقبه حتى استبان له |
وطالعته على الوادي بشائره |
عبد العزيز هو الفخر الذي ارتقب الوا |
فجر على الشرق زاهي الحسن زاهره |
طويليّ العمر لما لاح نوركما |
صبح العروبة صار اليوم مرتقباً |
إن تنشراه، فإن الله ناشره |
كلاكما سيفهما اللّماع في يدها |
* ومضى يتحدث عن مكانة القوة في ردع الباطل، واصفاً مجد الشرق الغابر، راجياً أن يعود قريباً بعد احتجاب، ولم يبعد عن الموضوع؛ فهو يتحدث بأمل الشرق، وواجب الشعر أن يتحدث عن آمال الناس، وقد ختم قصيدته بقوله:
هذا هو الشرق صان الله رايته |
* وفي قصيدة ثانية نظمها الأسمر حين دعته الإذاعة المصرية كي ينظم قصيدة تقال في احتفالها بزيارة جلالة الملك عبد العزيز، فلبّى الدعوة وأنشأ قصيدة سماها: (روضة الآمال)، قال فيها:
أرى روضة الآمال لاح ازدهارها |
وعاودها بعد الذبول اخضرارها |
فيا عجباً منها عشية أورقت |
فأينع ما فيها، وزال اصفرارها |
تعهدها غيث المليكين فازدهت |
وطابت بها قبل الأوان ثمارها |
على يدي الفاروق رفت غصونها |
كما أخصبت بابن السعود قفارها |
إذا مرّ فيها النيل وهو حياتها |
أطل على الآمال فهو منارها |
إذا ما اتّحدنا، لا يطول انتظارها |
* وتمضي القصيدة داعية للوئام والوحدة، ومباركة جهد العاهلين.. هذه إلمامة موجزة لبعض ما قيل في مصر، بمناسبة زيارة العاهل العظيم الملك عبد العزيز آل سعود لوادي النيل، والشعر مرآة العصر، ولسان الدهر، فإذا استعيد في كل موسم، فهو يمجّد الذكرى، ويحث على العمل، ومن هنا عنّ لي أن أتحدث عن ماضٍ سعيد؛ ليكون - بإذن الله - بشيراً بمستقبل مجيد.
|