بعد أيام قلائل يحل على الأمة الإسلامية ضيف عزيز، وشهر مبارك كريم انه شهر رمضان، شهر الهدى والفرقان، فيه تفتح الجنان، وتصفد مردة الشياطين، قد أقبل بشآبيب الرحمة وسحائب الغفران، وأمواج الطهر التي تمحو الأدران، وأقبل بضياء الصبر ونور القرآن شهر كريم قد كرمه الله بين الشهور فقال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.
فيك يا رمضان وقفات للقلوب والبصيرة كي تحاسب النفوس على التقصير، وفيك زاد الروح بالخير والتقوى، وفيك توجه القلوب والأعمال إلى الخالق الديان، وفيك أجل عبادة نسبها الله إلى نفسه، وخص بالثواب عليها لما ميزها به من ميزة الإخلاص قال- صلى الله عليه وسلم-: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) جئت يا رمضان بعبادة الصيام، لتهذب النفوس وتحفظها من الشهوات، وتكف الجوارح عن اللغو والمنكرات، وتطهر المجتمعات من عثرات الألسن، وأسقام القلوب، أنت يا رمضان فرصة خير وتهذيب وتدريب، وفرصة للتزود بزاد التقوى والإيمان ومجاهدة النفوس والمعاصي والذنوب، بصيامك يا رمضان يذوق طعم الجوع من لم يذقه، ويشعر بالفقراء والمحرومين من كان غافلاً عنهم من قبل، فترق القلوب والمشاعر، ويتكاتف المجتمع متعاوناً على البر والتقوى، فيكون صفاً واحداً، وقلباً واحداً تجسدت فيه الوحدة الإسلامية، ففيك يا رمضان نقتطف ثمرات الصيام ندية وفي لياليك تزهو العبادات، وتنهل الدموع بين يدي الرحمن فتطهر القلوب، تنهل الدموع تسبق الجباه إلى الأرض للسجود وتخفق القلوب تتطلع إلى نفحات ربها وتهفو إلى رحمته، وتأمل في هديته الكبرى: العتق من النيران، والفوز برضا الرحمن، والتنعم بالجنان، وفيك يا رمضان هدايا من الواهب المنان، يسوقها تترى في شموس أيامك وغر لياليك، فما أجمل أصوات المصلين! وما أحلى ترداد المؤمنين لآيات الذكر الحكيم! تلهج به ألسنتهم وتستقيم جوارحهم وما أروع بيوت الله في الأسحار! ما أعذب مناجاتهم للرحمن! وما أبهى تلك الجباه وأندى تلك الوجوه التي خضبتها العبرات التي تنهمر من خشية الله، وفيك يا رمضان ليلة خير من ألف شهر أنها ليلة القدر خير من 83 سنة من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
وأن المسلم اليوم بحاجة إلى اغتنام مواسم الخيرات وإشغال هذه النفوس بطاعة الله فإن لم تجاهدها وتشغلها في الخير أشغلتك في الشر، فهناك المقصرون في حق الله وهناك المذنبون، وهذا الشهر المبارك فرصة عظيمة بمحاسبة النفس قبل الحساب.
|