أطالع كثيراً في (الجزيرة) ما يكتب عن معاناة المواطن في مراجعة الدواء والمستشفيات، ولكن هنا أكتب عن شيء آخر اعتدت - عن قناعة - عندما أذهب إلى مراجعة مدرسة ابنتي أو الوحدة الصحية أو أي دائرة نسائية ان التزم بكوني ولية أمر بحيث لا أفصح عن شخصي باعتباري زميلة عمل لمعرفتي بما سأحظى به من تقدير للزمالة وأحياناً الأقدمية.. لذا لا أنزع نقابي شأني شأن جميع الأمهات!! حتى إذا جاء دوري وعرفوني أكون قد حصلت على ما جئت من أجله دون أن أتعدى على دور أحد وقد ساعدتني تلك القناعة في التعرف على طبيعة الحاضرات دون مواربة بل ومنحني ذلك متسعاً من الوقت للوقوف على أرض الواقع كحال كل النساء.. فمهما عملت المرأة وتقلدت المهام تبقى أماً ومسؤولة عن الأبناء وقبل ذلك امرأة.
وعلى الجانب الآخر ساعدني ذلك في التعرف على نماذج نساء تتنوع همومهن من البيت والزوج والأبناء إلى العمل وهمومه وشجونه... إلى الفقد والانكسار والصحة والمرض.
فالنساء إذا اجتمعن في مكان واحد يجدنها فرصة للحديث والفضفضة ولا أبالغ إن قلت التعبير عن الرأي دون خشية الرقابة بل قد يشعر المرء ان بعضهن وصلن إلى حد الاحتقان والانتظار في الممرات والصالات وتجاذب الحوارات والمناقشات.
لذا تتحدث النساء في كل ما تشعر به على تناقضاته، فالحديث يراوح بين الهموم والمآسي الشخصية إلى المتاعب العملية إلى الشأن العام بل في أغلب مجالات الحياة.
وقد عبرت لي إحدى الزميلات أنها تكره الانتظار مع النساء عند مراجعة الدوائر النسائية لكثرة الثرثرة. ولكني على العكس منها كنت أراها فرصة للتعرف على جوانب أخرى في حياة النساء التي لم يستطع البيت أو العمل أن يكشفا عنها، فالمرأة في علاقاتها الأسرية أو العملية تتحفظ في التعبير عن رأيها لاعتبارات كثيرة.. أما في صالات الانتظار فما الذي يجعلها تتحفظ.. كما أن حاجة المرأة للتعبير بما تحسه وبما تراه دون تحفظ هو الذي يدفعها إلى الكلام وليس الثرثرة لمجرد الثرثرة.
فقد تدخل المرأة صالة الانتظار وكأن الكون جاثم على صدرها وتخرج وبعد الحوار والمناقشة مع نساء لا تعرفهن يستمعن إليها ويشاطرنها الهم الإنساني ولو للحظات أو يعرضن لها مأساة أو هماً اكبر من همها فتخرج وكأن الكون نسمة من عبير.. لذا نجد المرأة لا تمل الانتظار في مكان الانتظار إلا بقدر خوفها من انتظار الرجال لها، بعكس الرجل الذي يكره الانتظار وعنده الاستعداد لأخذ موعد دوره والذهاب والعودة مجدداً عندما يحين الدور.
ويبقى السؤال لماذا تلجأ المراة إلى الحديث دون تحفظ عندما لا تكون معروفة؟ لِمَ تعبر عن همومها وشجوها دون قيود..؟
في ظني أن جواب هذا التساؤل هو سؤال أكبر وأعمق..!
وهو هل وجدت المرأة على جميع مستوياتها من يستمع إليها ويشاطرها ويقدر مشاعرها ويتفهم نظرتها بل فلسفتها في الحياة من أقرب المقربين إليها والمحيطين بها كما تريد وتقول وتحس.. لا كما يفترض أن تكون؟
وهذا بلا شك ما يجعل المرأة تجتر المرارة كلما انتظرت في ممرات وصالات الانتظار حيث تتحدث إلى أناس لا تعرفهم ويشاطرونها آلامها لوقت قصير فتتبدد غيوم حزنها.. ثم ما تلبث أن تعود وتتجمع لتمطر زخات من الحرقة والألم.
حصة إبراهيم الجربوع - رفحاء |