إذا نظرنا إلى مستقبلنا التنموي العام خلال السنوات القادمة، فإننا نجد أن الصناعة تكاد تكون القطاع الاقتصادي الوحيد الذي يمكن أن يشكّل إضافة كبرى للدخل الوطني وتكاد تكون المصدر الرئيس لتنويع هذا الدخل، فالقطاع الوحيد المهيأ لذلك هو قطاع الصناعة.وغير خافٍ أنه يوجد لدى المملكة مواد خام كثيرة جداً غير البترول وغير الصناعات البتروكيمائية ومشتقاتها ويوجد لدينا المواد الخام المعدنية الأخرى، وهذه موجبة للتفكير فيها بطريقة أكثر جدية وذلك لاستغلالها، فهي تساعد فعلاً على إنشاء أنواع كثيرة ومتعددة من الصناعات القابلة للتصدير.
إن نموذج التصنيع السعودي يقترب كثيراً من نموذج الصناعات التصديرية أو ما يسمى إحلال الواردات Export Substitution الذي أخذت به من قبل الدول حديثة التصنيع في آسيا.
وتقوم صناعة التصدير السعودية على فرضية مؤداها أن تصنيع النفط والغاز بدلاً من تصديرهما في شكلهما الخام يؤدي إلى زيادة قيمة هذه الموارد بالحصول على القيمة المضافة التي كانت تذهب للأجنبي عند قيامه بتصنيع الموارد الطبيعية العربية، علاوة على تحاشي ربط الاقتصاد الوطني بتصدير المواد الأولية وجعله أسير مورد واحد عرضة لتقلبات سعرية مستمرة.ونظراً لضيق السوق المحلية وضعف السوق العربية كذلك أمام منتجات هذه الصناعات فقد قامت على تجاوز الحدود الوطنية، وتوجهت نحو التصدير إلى الأسواق العالمية وخصوصاً إلى دول الاتحاد الأوروبي.وثمة حجتان رئيسيتان استند إليهما نموذج التصنيع الموجه نحو الخارج، أولهما أن إقامة صناعات موجهة للتصدير سوف يجبرها على زيادة مقدرتها التنافسية في السوق العالمية والاستفادة من وفورات الحجم الكبير في تحسين الكفاءة الاقتصادية للصناعات التصديرية.
وثانيهما تحسين التوازن الخارجي بالحصول على موارد جديدة من العملة الأجنبية تستخدم حصيلتها في تمويل الواردات.ويقدِّر بعض الباحثين أن على المملكة العربية السعودية فيما بين عام 2005م إلى عام 2010م أن تطوِّر عدداً من الصناعات التصديرية القادرة على الوفاء بحاجة الواردات من العملة الأجنبية.أما عن الاتجاهات الجديدة التي تزكّي هذا التوجّه التصديري للصناعات السعودية، فتتمثَّل فيما يلي:
1 - الاهتمام المتزايد بالصناعات التصديرية بدلاً من التركيز المفرط على بدائل الواردات.
2 - التحول المستمر نحو الصناعات الثقيلة والأساسية بدلاً من الاكتفاء بالتركيز على الصناعات الخفيفة والاستهلاكية.
3 - إيجاد بنية أساسية لتصدير المنتجات الوطنية والتوسع في نظام الحوافز الموجهة لتنشيط صادرات الصناعة المحلية.
إن ثروتنا المعدنية متوافرة، وكذلك ثروتنا البترولية وبالتالي فلنا ميزة إضافية؛ فالعديد من صناعاتنا قام على مواد خام وقام على ميزات نسبية عالية جداً في السعودية واستطعنا على الرغم من كل المعوقات وعلى الرغم من كل التشكيك أن نقيم صناعات متقدّمة جداً تنافس. فمن كان يتصوّر أن يأتي اليوم الذي تصل فيه منتجات المملكة من الحديد إلى أمريكا أو منتجات الزهور إلى بولندا أو منتجاتنا البتروكيمائية إلى أكثر من 70 بلداً في العالم، وأن تتجاوز مبيعات الصناعة الوطنية في عام واحد أكثر من 50 بليون ريال سعودي.في دول شرق آسيا أصبحت الصناعة تمثِّل 30% من الدخل الوطني لتلك الدول، وفي السعودية أصبحت الصناعة تمثِّل 13% على الرغم من كل الدعم الذي قدّم لها.
لذا ذكر رجال الصناعة أن لديهم علامة استفهام.. إذن ما هو السبيل لتنمية الاستثمار وتنمية الصادرات السعودية.إن خيار التصنيع طويل المدى ينبغي أن نكون صبورين للوصول إلى النتائج المرجوة منه.كما أن أحد الأساسيات في خيار التصنيع إيجاد فرص وظيفية للشباب السعودي سواء على المستوى الفني أو الإداري وتدريبهم تدريباً مناسباً.
لذا أعتقد أنه يلزم النظر إلى مختلف الصناعات وتقييم أمور كثيرة منها:
أ - مدى استعداد الشركات الأجنبية لنقل التقنية.
ب - مدى إمكانية السعودة.
ج - مدى أهمية صناعة معينة من الناحية الاقتصادية أو الإستراتيجية أو الطاقة البشرية.
ختاماً أقول: يبدو أن ثمة آفاقاً مفتوحة أمام الصادرات الصناعية السعودية ليس فقط في الأسواق الأوروبية وإنما في اليابان ودول شرق آسيا حديثة التصنيع.
ويتوقف ذلك على تعزيز القوة التفاوضية للمملكة وتنسيق سياستها الصناعية مع دول مجلس التعاون؛ ذلك لأن الصناعة لا مفر منها وليس لدينا أي خيار إلا خيار الصناعة والتصدير، وذلك إذا أردنا أن يستمر الدخل وأن نستطيع استيعاب التزايد الكبير للسكان.
إن المطلوب في المستقبل هو تحقيق تنمية مستدامة متوازنة ومنسجمة مع الحفاظ على البيئة بحيث تكون الصناعة القطاع القائد لمثل هذه التنمية.
|